عمر الحار
آخر حروب العرب !
الساعة 04:26 مساءاً
عمر الحار
كانت حرب أكتوبر آخر حروب العرب التي من خلالها يمكن لنا من ملامسة الهوية العربية في أرقى تجلياتها وقدراتها واهدافها ، وهي آخر المعجزات التي صاغتها احلامهم وحققتها إرادتهم القومية الواحدة الصلبة .

وتحل الذكرى السادسة والأربعون لإنتصارات أكتوبر ، والعروبة تمر بأضعف مراحل لها في الوجود ، ومشتت الهوية والأهداف والتوجهات والصفات وضائعة تتقلبها مشاريع الهزيمة والخذلان من المحيط الى الخليج ، بعدما استفرد بها اعدائها وشتت شمل قطاعانها،  وأصبحت كل واحدة من دولها فريسة سهلة لصيادي الأمم مما سهل عملية قضمها بصمت وبعيدا عن أسماع الأهل والعالم.

 وهذه الحالة الرثة التي وصل إليها العرب ، هي من أورثتهم روح الانهزامية في كيانهم العربي الواحد وعملت على تمزيق روح وروابط هويتهم القومية الجامعة وتشتيت أواصر علاقاتهم وتاريخهم المشترك.

 ومن هنا عرفت قوى العالم المتصارعة في الوجود والتي لا تقر إلا بالبقاء للأقوى والقادر على مواجهت أمواج متغيراته العاتية  ، بأن الأمة العربية من السهل تغيبيها عن المشهد الحضاري للعالم المعاصر ونسيانها حتى اسمها ، واعدت مشروع تفكيك بنيانها العربي دولة بعد أخرى بإغراقها في طوفان الفوضى والخلافات التي لن تنجو منها حتى قيام الساعة ، وعملت باحكام على ثقب ذاكرتها الجمعية التي باتت مقبرة لعروبتها الأصلية وجذورها الضاربة في اعماق التاريخ ، ودمرت كل مقومات وجودها العربي المشترك ومسخت ثوابت قوتها ووحدتها وهويتها القومية ، حتى اصبحت العروبة ريشة في مهب الريح .

ولست هنا بصدد تقييم واقعنا العربي اليوم ، ولكني بصدد تأكيد وتكريس حقيقة عربية واحدة ، بأن العرب ما قبل يوم العبور في 6 أكتوبر غير العرب ما بعده .، وإن كانت إنتصارات أكتوبر آخر عهود العرب بصناعة الأمجاد ، وآخر المحطات لقطار الزمن العربي المتوقف عن الدوران ..

نعم كانت أكتوبر علامة فارقة في حياتنا وتاريخنا العربي المعاصر وآخر حلقة ارتباط للأمة بتاريخها التليد ، الذي خرجنا منه بمحض اردتنا واصبحنا صفر اليدين ولا نلوي على شيء حتى من ذكرياته الجميلة ، والدليل القاطع على ذلك هو لسان واقع الحال الذي نعيشه اليوم فمن منا ، أفرادا وشعوبا وحكومات يجرؤ على احياء هذه الذكرى العروبية الخالدة ، التي اضمحلت مكانتها من الذاكرة العربية وتوشك على الغياب التام منها ، ولا مناص من الحقيقة أن جعلناها عنوان لمغادرة الانسان العربي لحقب من العز والتاريخ ودخوله لحقب مظلمة من الانحطاط وانطلاقة وحيدة ويتمية ومحددة فقط لكتابة وتأسيس تاريخه القومي المعاصر والممزق الذي يصعب حتى كتابته من منظور تاريخي صرف أو من منظور سياسي بحت وان باشتراطات واحكام مجالاته الواسعة والفضفاضة المتداخلة المصادر التي غربته عن الوجود وحولته إلى كنتيونات متنافرة تسبح في بحور هائجة من  تناحراتها وخلافاتها العديمة مع الاقرار بصعوبة الاحاطة بتناقضاتها الحادة وان عرفت حتى خيوط التلاعب بها وتحريكها عن بعد في لعبة الأمم .

ومما يؤسف له بأن العرب لم يستطيعوا الاحتفاظ بنصر أكتوبر واضاعوه في خضم انشغالاتهم ببعض ، وعجزهم وتخلفهم عن قراءة المتغيرات الدولية وكانوا أول ضحاياها من بين الشعوب .
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر