عبدالكريم الرازحي
رحلة في الظلام ومن دون بطاقة
الساعة 12:19 صباحاً
عبدالكريم الرازحي
الجو في عدن يغري بالمشي، كنت امشي يوميا في طريق البحر وكانت خطواتي وانا امشي تتناغم مع ايقاع الموج وايقاع صوت البحر.

ويوم الاثنين الماضي الساعة الخامسة والنصف قلت للصديق فكري قاسم الذي كان قد عزمني على غدا في بيته وعلى تخزينة مع البحرفي البريقة :؛اقدم انت والاخوة بالسيارة وانا سوف اعود سيرا على قدمي .

كان البحر قد رفع معنوياتي الى السماء وكنت اشعر حينها بان بمقدوري ان امضي سيرا على قدمي الى الطرف الآخر من العالم

وقبل ان ابدا رحلتي مررت على مقهى وطلبت واحد شاي عدني لكن الشاي الذي قدموه لي لم يكن شايا عدنيا كان مسكّرا اكثر والحليب فيه اقل ومن اول رشفة شعرت بنفور وقلت المباشر وانا اعيد الشاي اليه :

- هذا مش هو شاهي عدني 

لكنه اصر بانه عدني

قلت :خلاص مافي داعي للنقاش  شاهي عدني اومش عدني خذه وخذ قيمته وناولته ثمنه ومشيت  وكانت الشمس حينها تغطس في بحر البريقة وتنطفئ مثل جمرة

وحين بدا الظلام يزحف ويحيط بي بدات المخاوف والهواجس تزحف نحوي بعدئذ وقد اطبق الظلام وخوفا من السيارات المارة خرجت من الرصدة ومشيت في الطريق الترابي ورحت اواصل المشي بخطى سريعة وكان الخوف بمثابة وقود يزيد من سرعتي لكن بسبب الظلام لم اكن ار الطريق امامي بوضوح وكثيرا ماكنت اتعثر واقع  اواصطدم بكثبان رملي  لكن افضع ماحدث لي هو اني دست على كلب كان نائما في حفرة له وكان آمنا حتى اننا من شدة الرعب صرخنا معا هو صرخ مرعوبا مني وانا صرخت مرعوبا منه

 بعد ئذ ولشدة الخوف الذي اعتراني قلت افتح تلفوني واتصل بشخص يواسيني ويرافقني بصوته ويبدد وحشتي وكان ان اتصلت ب عبدالحليم سيف وهو صديق وزميل  والخوف قاسم مشترك بيني وبينه لكنه في صنعاء وانا في عدن

  واول ماانفتح الخط انفتحت حفرة تحتي  ومن الخوف اطلقت صرخة رعب لكنها كانت اقل حدة من تلك التي اطلقتها حين دست فوق الكلب وحين سالني عن سبب تلك الصرخة التي اطلقتها اخبرته بالمكان الذي انا فيه وبالهدف من اتصالي به  وقلت له :

-انا في طريق البريقة ياحليم الدنيا ظلام وانا خايف وقد اتصلت بك لاجل تبقى معي وتوانسنا بالكلام

لكني وقد فتحت الحديث معه كنت كأني افتح مصدرا آخر للخوف وكان ان صبت مخاوفه عليّ في مجرىمخاوفي  واذا بطين خوفي المبلول يزداد بلّة وبعد ثلاث ساعات من المشي وجدت نفسي قرب نقطة امنية

نظر العسكر الي وهم في دهشة وقال احدهم يسالني :

-ليش تمشي في الظلام  ليش ماتركب

قلت :هناك حديث عن نبينا صلوات الله عليه يقول :استعينوا على كبركم بالمشي

وعندما طلب مني ان ابرز بطاقتي  فتحت حقيبتي لاخرج البطاقة  لكن البطاقة لم تكون موجودة في الحقيبة ولا ادري كيف واين اختفت

كان الرعب الذي تملكني لحظة اكتشفت ضياع البطاقة اشد واعظم الف مرة من الرعب الذي ساورني لحظة دعست فوق الكلب

لكني هذه المرة ورغم شدة الرعب لم اصرخ  الذي صرخ هو العسكري

لقد راح يصرخ فوقي ويوبخني لكوني امشي لوحدي وفي الظلام و  من دون بطاقة  بعدئذ داخل قلبه شيئ من الرحمة وسمح لي بالعبور لكنه نصحني بان اركب في اول حافلة تعبر غير اني لم اعمل بنصيحتة

كانت الباصات والحافلات تقف لي لاركب وانا ارفض وقد تناهى الى سمعي قول احد الركاب :

-هذا باين عليه مجنون

وبالفعل كنت مجنونا ب عدن بالذكريات امشي والذاكرة تتوهج وكلمامشيت اكثر ازدادت الذاكرة توهجا

وكانت عدن في ذاكرتي اجمل بكثير من عدن الامس وعدن اليوم

فيما كنت اتقدم وسط بحر من الظلام رايتني وسط دائرة من الضوء تحيط بي

 كان الضوء المنبعث من يسار الرصدة  يلاحقني ويرصد حركتي ويتبعني ويقتفي اثري مثل وحش وكان ان سرت قشعريرة رعب في جسدي إذ لأول مرة في حياتي- انا الذي امشي باتجاه الضوء - اصادف ضوءا يدخل الرعب الى قلبي  قال لي احدهم فيما بعد انه ضوء صادر من مبنى تابع لقوات التحالف وان الحظ كان حليفي لاني نجوت منه

 كانت الاضواء التي رايتها تسطع في البعيد والتي ظننتها اضواء كالتكس هي اضواء مدينة الشعب وقد  داخلني شعور بالاطمئنان عند وصولي اليها ومنها رحت او اصل السير الى مدينة اسمها :انما ومن بعد واصلت المشي الى جولة كالتكس ومنها الى مدينة كريتر وبعد وصولي الى كريتر ذهبت الى مطعم المجد وهو مطعم قديم كان يملكه المرحوم عبده سعيد مكرد من قريتنا كما انه المطعم الوحيد الذي تأسس في عهد الاستعمار وعاصر كل العهود وصمد كل هذه السنوات

تعشيت فيه وبعد العشاء اخذت تاكسي وعدت الى فندق اوركيد في ساحل ابين وكانت الساعة حينها الحادية عشرة والنصف

في اليوم التالي اتصل بي الزميل علي السقاف يبلغني بأن بطاقتي موجودة معه اماكيف حدث انها معه فقد قال لي :

- لقد سقطت من حقيبتك ووجدتها بعد نزولك من السيارة.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً