حسن عبدالوارث
الأُذن اذا قتلتْ !
الساعة 04:52 مساءاً
حسن عبدالوارث
وصلتني رسالة الى ماسنجر صفحتي الفيسبوكية من شخص لا أعرفه وليس من أصدقاء صفحتي . وبعد اطّلاعي على صفحته فوجئتُ بأنها من ذلك الصنف الذي نُطلق عليه في العادة وصف " سمك لبن تمر هندي " !  

ما علينا ، المهم أن أخانا هذا أعرب عن اعجابه ببعض كتاباتي وامتعاضه من البعض الآخر . وقد أوضح سبب هذا الامتعاض بأن تلك الكتابات مليئة بأفكار وألفاظ تنتمي الى " العولمة والاشتراكية " .  

لم أفقه - في بادىء الأمر - طبيعة هذا الاقتران العجيب بين مصطلحَيْ العولمة والاشتراكية ، وعلاقة كتاباتي تلك بذلك الاقتران . غير أن بعض دهشتي زال بعد أن فطنت - من خلال حواري السريع معه - الى أنه يقصد العلمانية وليس العولمة ، فقد التبس اللفظان لديه . وقد أدركت بعدها أن هذا الالتباس لم ينحصر في الاصطلاح بل تعدَّاه الى المفاهيم !  

المهم ، في آخر المطاف ، قلت لأخينا هذا أنني اشتراكي الفكرة وعلماني الرؤية . وأن تلك المعتقدات ليست تهمة ولا جريمة . ولو توافرت لديه فسحة من الوقت والأريحية ، لأوضحت له بالتفصيل والتبسيط حقيقة المفاهيم العلمانية والتعاليم الاشتراكية ، التي قد يختلف معها الى أبعد الحدود ، ولكنها بالضرورة ليست كفراً ولا جُرماً ولا حتى مثلبة .  

غير أن أخانا رفض الانصات لي تماماً ، مؤكداً على نحوٍ قاطع أنه يكتفي بما سبق له وأن سمعه - وليس قرأه بالطبع ! - عن العلمانية والاشتراكية وغيرها من الاصطلاحات التي اكتظّت بها أُذناه ولم تتسلّل واحدة منها الى رأسه !  

الحق أن معضلة أخينا هذا ليست محدودة النطاق ، ولا هي محدودة الأثر أيضاً ، بل أنها كانت - ولا زالت - سبباً مباشراً ورئيساً في ارتكاب أخطر الجرائم ، وبالذات جرائم الاغتيال التي طالت عدداً من رموز الثقافة والسياسة والفكر في عدد من بقاع العالم وخصوصاً في البلاد العربية والاسلامية .  

فكم من رأس أو صدر أنفجرت فيه أعيرة نارية من سلاحٍ ضغط على زناده جاهلٌ أرعن له أُذنان فقط وليس ثمة شيء غيرهما على الاطلاق !  

وعلى سبيل المثال ، في قضية اغتيال المفكر الكبير الدكتور فرج فودة ، سأل القاضي القاتلَ عن سبب اقدامه على اغتيال فودة ، فردَّ القاتل : لأنه كافر .  

- وما أدراك أنه كافر ؟  

- بسبب كتبه .  

- وهل قرأت كتبه ؟  

- لا .  

- لماذا ؟  

- لأنني أُمِّي !  

فهل يحتاج الأمر الى تعليق قبالة هذه الكارثة : اعتراف القاتل بأنه أُمِّي لا يجيد القراءة البتة . لكنه قتل مفكراً كبيراً بسبب كتبه التي قيل له بأنها تتضمن ما وصف بالكفر الذي استوجب القتل " بلا احم ولا دستور " كما يُقال !  

وفي الواقعة الخاصة بمحاولة اغتيال الكاتب الشهير نجيب محفوظ ، وخلال النظر في هذه القضية أمام القضاء ، راح رئيس المحكمة يسأل الرجل الذي قام بطعن عنق الكاتب الكبير : لماذا حاولت قتل نجيب محفوظ ؟  

- بسبب الكفر اللي في روايته ؟  

- أيّ رواية تقصد ؟  

- أولاد حارتنا .  

- هل قرأت الرواية ؟  

- لا .. بس سمعت أنها رواية كافرة !  

سمع ! .. سمع فقط ! .. سمع أنها رواية كافرة !  

وأنا شخصياً لا أدري ما اذا نطق الرجل اسم الرواية : أولاد حارتنا أم عيال حافتنا ؟ خصوصاً أنه نطق اسم الكاتب الشهير خطأً لمرتين وليست واحدة ، برغم بساطة وشهرة الاسم !  

وعادت بي الذاكرة الى مجريات محاكمة قتلة الرئيس محمد أنور السادات ، اثر حديثي مع أخينا الذي جئت على ذكره في مستهل هذا المقال ..  

ففي تلك المحاكمة سأل القاضي أحد المشاركين في العملية التي أفضت الى قتل السادات : أنت شاركت في قتل الريٍّس السادات ليه ؟  

- لأنه علماني .  

- يعني ايه علماني ؟  

- معرفش !  

... ولا تعليق على الاطلاق .  

إن الزناد الذي يطلق النار لا تضغط عليه أصبع في غالب الأحيان ، انما أُذن .. أُذن فقط !
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر