أماني عزام
كيف أعاد الصندوق الأسود للصحافة رشدي أباظة إلى الحياة؟!
الساعة 03:04 مساءاً
أماني عزام
لست من عشاق قراءة مقالات الرأي، ولا من المهتمين بمتابعتها ولكن منذ فترة ليست بالبعيدة لفت انتباهى كاتب مُتنكر يُنشر مقالاته بصورة كرتونية مستخدمًا اسم "رشدى أباظة" على صفحات جريدة روزاليوسف التي اتشرف بانتمائى لها، الكاتب الذي يُصر على أن يبقى شخصًا مجهولًا للجميع، إذ لا أعرف عنه أنا وزملائي سوى أنه يعيش في حي الرمل بالإسكندرية وخرج على المعاش المبكر بعد أن كان مسئولا تحريريا بالأهرام بحسب ما روى في إحدى مقالاته، أصبح حديث الصباح والمساء داخل وخارج أروقة المؤسسة إذ يصفونه بالصندوق الأسود للصحافة.

الكاتب الذى استعان باسم الفنان القدير رشدى أباظة ربما لسرعة لفت الأنظار أستطاع في فترة وجيزة أن يُصبح خليفته في النجومية، فالجماهير الغفيرة التي كانت تتهافت على شباك السينما لمشاهدة أفلام الدونجوان الراحل ربما تقارب أعداد القراء الذين باتوا ينتظرون مقالات رشدى أباظة الكاتب، بعد أن أصبح موضعًا لإثارة الجدل، وبوصلة ومؤشرًا حقيقيًا للأحداث التي ستطفو على الساحة.

"أباظة" الذي ذاعت شهرته بعد نشر مقالاته على صفحات جريدة روزاليوسف، استمد شعبيته واهميته من استحداث منهجية جديدة في عالم الكتابة يمكن تسميتها بـ "الترافيك الواقعى" واتمنى ان أكون قد وُفقت في وصفي لأسلوبه، ففي الوقت الذى تتسارع فيه المواقع والصحف وكُتاب المقالات على حصد الشهرة وزيادة نسبة القراءات عبر بث ونشر محتويات الترافيك السطحية التي ربما تعتمد على نشر الفضائح الجنسية، أو العلاقات الثنائية بين المشاهير، أو غيرها من المحتويات التي لاتُغني ولا تثمن من جوع ولكنها تلقى اهتماما كبيرا لدى قطاع كبير من المتابعين خاصة فئة المراهقين من رواد السوشيال ميديا، اعتمد أباظة أسلوبا جديدا في الكتابة يجمع ما بين مواضيع الترافيك التي تحظى باهتمامات كبيرة على الساحة وبين المصداقية التى باتت مُنعدمة في معظم كتاب الجيل الحالي.

منهجية الكاتب الجديدة قائمة على نشر وتسريب وتفجير موضوعات ومعلومات وقضايا ووقائع حقيقية حدثت أو ستحدث لكنه استبق الجميع في الحديث عنها والتنبؤ بها أو كشف مُلابساتها وكواليسها، كما تناول موضوعات وأزمات حالية بشكل يختلف عن كل الذين تناولوها في السابق، فهو الكاتب الوحيد الذي تحدث بجرأة عن ضرورة تغيير النخبة في مصر بنخبة جديدة شابة تفرزها المواقف والتجارب الواقعية، نخبة تليق بعظمة وتاريخ مصر، وتكون قادرة على العبور بالبلاد إلى الأفضل في كل المجالات سواء كانت سياسية أو ثقافية أو فنية أو اقتصادية.

ففي مقال له بعنوان "نخبة للبيع" كشف أباظة تفاصيل اعتذار مطرب مصري شهير للدولة عن المشاركة بمجموعة أغان بعدة لغات في افتتاح مشروع قومي عملاق عالمي حضره رؤساء وزعماء من مختلف دول العالم بحجة أنه لا يريد الدخول في السياسة وكأن الغناء في افتتاحات المشروعات الوطنية الخاصة بتنمية بلادنا أصبحت سياسة، أباظة كشف أيضًا أن المطرب ذاته أحيا حفل «بلايستيشن» لثرى عربي وغنى في ألبومه الأخير من كلمات هذا الثرى مقابل آلاف الدولارات قيل أنها مليونى دولار.

في المقال ذاته كشف الكاتب كيف حصل باحث شهير على أموال كبيرة عقب ثورتي يناير ويونيو، أنفقها على تجنيد النخبة السياسية والإعلامية لصالحه وبالفعل عمل معظم السياسيين والإعلاميين في مشروعه البحثي والإعلامي بعد أن أغدق عليهم الأموال وصار نجما سياسيا، كما تناول كيف ظهر ثرى خليجي محترم ومُفعم بالحيوية لكنه مشاغب بحسب وصف الكاتب له، ثم تجمعت حوله ثلاث نخب مصرية وهي الرياضية والإعلامية والفنية ونشبت معه أزمات كبيرة كان سببها الرئيسي إغداق الأموال التي خضع لبريقها الجميع.

كما تطرق الكاتب إلى إعلامي شهير رفض طلب إدارة العمل بالاستمرار في عمله رغم أنه كان يتقاضى مبالغ طائلة إلى أنه طلب المزيد والمزيد والمزيد ثم سقط أمام «أونر» ثرى واهبًا نفسه لمن يدفع أكثر.

استمرارًا لكتابات أباظة الجريئة نشر الكاتب 4 مقالات تحت عنوان "النخبة الوهمية"، تحدث خلالها عن الفساد الإعلامي والسياسي، وفضح البطولات الوهمية الزائفة التي ينسبها بعض الإعلاميين والسياسيين لأنفسهم أمام الجمهور لينبهر ببطولاتهم المجانية لمجرد استمتاعه بمتابعة حالة الصراع الوهمى مع الدولة رغم أن أصحابها ضيوف دائمون على المكاتب المغلقة للأجهزة الأمنية لطلب وساطات وامتيازات شخصية، فهم يقدمون أنفسهم مناضلين أطهارًا للجماهير ثم يتبنون صناعة الصراعات والصدامات بين الدولة والشارع الصناعة جدل مجتمعي يستفيدون من خلفه.

الكاتب فضح كيف وهب من يسمون أنفسهم بالثوار والنشطاء أنفسهم لمن يدفع أكثر، مناضلون أول النهار ودولجية فى آخره، مؤكدًا أنهم يعملون حسب الطلب يقفون مع الدولة تارة، ومع الإخوان تارة أخرى، وفي صفوف المنظمات الدولية مرات ومرات ضاربًا المثل بعدة أسماء ذكرها في كتاباته مثل شاب يدعى محمد الدسوقى رشدي، وسيدة تدعى غادة الشريف، كما تحدث عن تورط بعض الإعلاميين والسياسيين في دعم جماعة الإخوان الإرهابية مقابل أمولًا تدفع لهم لتشويه فكر ومعتقدات الرأي العالم جميعها موثقة بتسجيلات هاتفية.

وفي مقال بعنوان "نخبة المهجر" شرح الكاتب كيف فضل بعض الكتاب والسياسيين والإعلاميين العيش في منفى الغربة ومهاجمة الوطن مقابل حفنة من الدولارات على حياة كريمة في وطن يعي ويقدر قيمة أبنائه.

أباظة الوحيد الذي نصر الإعلام وانتصر لشباب الاعلاميين الجادين عندما كشف زيف وتدليس المنتفعين الذين أساءوا للمهنة بممارساتهم المشوهة ومواقفهم المتلونة وفق أهوائهم مؤكدًا أن الدولة تُخطئ عندما تعاقب المهنة، فيجب عليها معاقبة الإعلاميين وليس الإعلام وعدم الخلط بين العقوبتين، مشيرًا إلى أن بعض الممارسات التى قام بها نجوم المهنة جرائم لا تسقط بالتقادم تدفع ثمنها المهنة منذ عام ٢٠٠٠ عندما دخل الإعلاميون فى لعبة إسقاط الدولة، بعد أن غلبت شهوة النجومية لديهم الانضباط والمهنية والمسئولية والوطنية وتغليب استقرار الدولة.

الكاتب المُتنكر اعترف بجرأة أن الإعلاميين الذين كان ينتمى إليهم قبل خروجه على المعاش المبكر كانوا أهم أدوات هدم الدولة إذ قال في مقال بعنوان "عن الإعلام والإعلاميين" :"يحز فى نفسى الحديث عن مهنتى العظيمة وأهلها، يؤسفنى الاعتراف بأننا كنا جزءًا كبيرًا من أزمة مصر فى المقابل يجب ألا تأخذ الدولة مهنة الإعلام بجريرة هؤلاء، مهنة الإعلام أمن قومى، قوة ناعمة عظمى لمصر والمصريين، معاقبة المهنة أيضا جريمة".

استمر الكاتب في فضح الكثير من ممارسات الإعلاميين غير المشروعة من خلال سلسلة مقالاته إذ قال أن أحدهم بلغت ثروته ٦٠ مليون جنيه فى ٨ سنوات فقط كان قبلها مجرد مُحرر فى مجلة أسبوعية قومية، كما أن إعلامية شهيرة اعتزلت الميديا السياسية انكشفت فى لحظة حقيقية عقب ثورة يناير عندما رفع عنها أحد الضيوف غطاء المهنية والإنسانية، مؤكدًا أنها لن تستطيع العودة إلى السياسة، كما تحدث عن إعلامى شهير يترأس تحرير صحيفة كان يحصل على راتب شهرى طوال ٦ سنوات من مكتب الإرشاد تحت مسمى باحث، وكذلك مسئول بإحدى الجهات الإعلامية الرسمية المهمة، وآخر كان يتاجر مع شركات الأدوية يروج لها عقاقير الدواء سيئة السمعة لكن الدولة أوقفت حيله الماكرة، وإعلامى آخر حصل على مال وفير من سفارة دولة أوروبية تحت مسمى باحث قدم أبحاثًا مشبوهة، وصحفى آخر شهير لديه ثروة عقارية تخطت ١٠٠ مليون جنيه تحصل عليها من التوسط فى تراخيص الهدم، مؤكدًا أن معظم الجهات في الدولة باتت تحتقر الإعلام والإعلاميين بسبب هؤلاء.

وفي مقال بعنوان "خيري رمضان يعظ" أسقط رشدى أباظة القناع عن الإعلامى خيري رمضان، وكشف بالتفصيل كيف صنع الأخير ثروة طائلة من وراء مواقفه المتلونة وعلاقاته القائمة على المصلحة مع كل والأطياف دون تمييز.

وفي مقال آخر بعنوان "الراقصة والجلاد" تحدث فيه بجرأة غير معهودة عن التجاوزات الكبيرة التي ارتكبها الكاتب الصحفي مجدى الجلاد ورفاقه بعد صعودهم على جثث أساتذتهم وزملائهم بحسب وصف الكاتب، مشيرًا إلى أنهم قاموا بتعيين أفراد أمن وسكرتارية ومدرسون وتوريث أبناء وزوجات الأبناء وذوى زوجات الأبناء والأقارب والمحاسيب، واستغلوا الوساطات والمحسوبيات وعلاقاتهم برجال الأعمال في الثراء السريع لافتًا إلى أن أحدهم كان يعيش فى شقة عام ٢٠٠٦ داخل حى فيصل انتقل إلى قصر منيف بالشيخ زايد وقصر آخر فى التجمع الخامس فى ٢٠١٢، ومن سيارة متواضعة وحيدة عام ٢٠٠٦ إلى نصف أسطول سيارات جلها فاره عام ٢٠١٢، كما كشف أن ممارسات "الجلاد" وتعاونه مع جميع الأطراف وتقلبه بين جميع الجنبات كانت سببًا رئيسيًا في غضب الدولة من الإعلام والإعلاميين.

وقبل الإعلان عن بيع مجموعة قنوات (سي بي سي) والذي ينعكس بدوره على البرامج المذاعة فيها وكوادر العمل الموجودة بها آثار أباظة الجدل بنشره مقال بعنوان "اعتزال لميس الحديدى" أكد فيه أن الإعلامية التي اختار جون كاسن السفير البريطانى فى القاهرة أن تكون إطلالته الأخيرة من خلالها هي ايضًا في نهاية رحلتها الإعلامية، بعد أن انفضت تقلباتها الإعلامية وتاجرت بالشباب وقضاياهم، لذلك عليها أن تنسحب الآن من المشهد لصالحهم حسب قوله، كما أكد أن البعض من هؤلاء الذين غابوا عن الشاشات ستتم محاسبتهم فى وقت معلوم على بعض المخالفات الموثقة لدى أجهزة الدولة.

وفي مقال بعنوان "محمد رمضان المتهرب نمبر وان"، تناول أباظة أزمة الفنان المصري محمد رمضان بشكل مختلف عن جميع الكتاب والصحفيين ورواد السوشيال ميديا، مشيرًا إلى أن الفنان الذي يتباهى بثرواته وممتلكاته وسياراته الفارهة مُتهرب من جمارك السيارات ومديون لها بمبلغ لا يقل عن 25 مليون جنيه تقريبًا، لم يدفعها فى الوقت الذى يتقدم فيه لشراء رقم 1 بـ 19 مليون جنيه.

وفي مقال جرئ بعنوان "ميدو القطرى" انتقد الكاتب المقارنة الظالمة التي يُقارن فيها البعض بين اللاعب الاسطورى محمد صلاح واللاعب أحمد حسام «ميدو» مؤكدًا أن صلاح صار أيقونة عالمية بينما تاريخ ميدو كله فى أوروبا يساوى تاريخ مباراتين فقط من مجد صلاح فى نادى فيورنتينا الإيطالى، أو بازل السويسرى.

الكاتب لم يكتفى بذلك فحسب فقد فضح بيزنس "ميدو" المغموس بالدم في قطر حسب وصفه، وكيف أن اللاعب السابق يعشق المال حد التجاوز فى حق دماء الشهداء إذ كان يعمل فى قناة الجزيرة ويطالب بضرورة المصالحة مع دولة قطر التي شاركت في قتل الشهداء المصريين بالتحريض والتمويل والدعم، كما يُصادق مسئوليها في الوقت الذي تنتج فيه إمارة الشر والإرهاب فيلما وثائقيا إجراميًا عن سيناء تُناصر فيه الإرهابيين والقتلة، ثم يعود من جديد ليعمل في قناة بيراميدز السعودية في الوقت الذي تعد فيه المملكة واحدة من أبرز دول المقاطعة القطرية.

بغض النظر عن الأسماء التي ترد في مقالات الكاتب والآخرين الذين يكتب عنهم تلميحات تجعلنا نتعرف عليهم تارة، أو يُثير فضولنا بالبحث عنهم تارة أخرى، وبغض النظر عن صحة مايكتبه من عدمه إلا أنه نجح في الدخول إلى عالم الترافيك بسرعة، فرشدى أباظة لم يعد يمثل بالنسبة لنا مُجرد مقال ينشر على الورق ولكننا ننظر إليه على أنه الصندوق الأسود لما جرى من أحداث وبوصلة لما سيجرى من أحداث، صحيح أننى لا أعرفه شخصيًا ولكن فضولى يدفعنى للبحث عن هوية هذا الكاتب الثرى لذلك أردت أنوه عنه وعن مقالاته التي يكتبها ربما يجد البعض ضالتهم في كتاباته التى أصبحت علامة من علامات روزاليوسف

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر