- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
جميعنا يدرك الثمن الباهظ الذي دفعه ويدفعه وسيظل يدفعه اليمنيون في كل جوانب الحياة، خاصة في الجانب الثقافي الذي يمثل أهم أجنحة الرفض للعدوان الداخلي بكل أشكاله، الذي تجرَّعنا مرارته طوال السنوات الماضية.
أصبحت الصحف أول ضحايا الانقلاب مع حرية التعبير والرأي وحقوق الطبع والنشر، فتم إغلاق جميع الأكشاك في طول البلاد وعرضها بكبسة زر واحدة، وتحولَّت فجأة إلى أكشاك للعطورات والحقائب النسائية، والميداليات التي تحمل أسماء وكُنى أبو حرب، وأبو رشاش، وأبو 12 /7، وهلم جرَّا.
أغلقت أكثر المكتبات أبوابها من أبي ذر الغفاري إلى دار نشر عبادي، التي ساهمت في خلق حراك ثقافي مميز، وقضت على احتكار طباعة الكتب في داخل أو خارج اليمن، ووجد المثقفون اليمنيون أنفسهم أمام إمكانية إصدار أعمالهم الفكرية والإنسانية والإبداعية بالكميات التي يقدرون عليها، وتوزيعها ونشرها، وإهدائها، والتعريف بأنفسهم ووطنهم، وثقافة البلاد السعيدة عموماً.
بعد 21/9، رأينا كل أصحاب المكتبات وقد شاخت أعمارهم، وسقطت أسنانهم، وأبيضَّت شعورهم، وتحولوا إلى كائنات تحمل الثلج فوق روؤسها، أو كما أطلق هذا الاسم المُحبَّب على الشاعر الريفي الجميل عبد الباري الفتيح المشقّر بالسحابة؛ كناية عن جمالهم الداخلي ومعاناتهم الظاهرة للعيان، وهناك محمد شرف القدسي صاحب كشك المركزي في تعز، الذي تم قلعه من قلب تعز ببوكلين بدون رحمة أو شفقة أو عقل، فضلاً عن إنسانيته، وعلى الثقافة التي ظلَّ ينشرها لسنوات طويلة في مقابل لقمة العيش.
مؤسسة الجمهورية، التي -رغم أنها كانت صحيفة حكومية- ظلت لسنوات طويلة تحمل مشعل الثقافة لكل اليمن من خلال صحيفة الثقافية، التي حرَّكت المياه الراكدة، وأتاحت هامش حرية غير مسبوق لليمنيين، إضافة إلى إصدارها كتبا في جريدة لعدة سنوات، وكانت تتحين الفرص للتحول إلى ناشرة كتب لكل اليمنيين بأسعار زهيدة، مع ضمان سياسة التوزيع والنشر في عموم اليمن، فتم اغتيالها وسرقة كل تفاصيلها كمؤسسة ومطبعة وآلات طباعة من أحدث الأنواع، وبيعها "بيعة سارق" من قِبل عصابات وتُجار حروب بُلداء.
واليوم، يقوم اليمني صباحاً ليجد نفسه في طول صنعاء وعرضها أمام كشك أو اثنين يعرضون صحفا تشبه زمن الإمامة والدمامة الطائفية والسلالية بحذافيرها، فلا تجد مجالاً لقراءة جريدة، ويستحيل شرب كوب شاي ووضع رجل على رجل وتدخين سيجارة واحدة؛ لأن هذا أصبح من الماضي، ورفاهية غير مقدور عليها من جميع النواحي، وخاصة النفسية.
وإذا سألت ما هو أحدث كتاب نزل الأسواق حالياً في صنعاء، سيخبرك فاعل شر أنَّ مجلداً ضخماً جداً لا تقدر على حمله فكيف بالتفكير في قراءته عن يحيى الرَّسي، الذي قتل ملايين اليمنيين في حروبه السلالية المتصلة، وهذا التجريف يمتد إلى ثقافة اليمنيين وطريقة تفكيرهم وحياتهم وأصالتهم، وامتدادهم في أعماق التاريخ العظيم، وحصره على زمن تمكّن فيه السفهاء من حكم اليمن، وتشويهها بأبشع ما أنتجه الفكر البشري البربري العنصري السلالي تماماً، كما تم تشويه جدران مدينة صنعاء القديمة بكل تلك الشعارات، التي تدعو إلى الموت نيابة عن أولاد علي - كما يزعمون...!!
انقطعت عن اليمن كافة الإصدارات من الصحف والكتب والمجلات وملحقاتها، والدوريات الشهرية والأسبوعية، وحتى اليومية، حين كان للورق المقروء الشوق والحنين والحميمية في الوقت الذي تم فيه حجب جميع المواقع المهمّة على النِّت بكبسة زر أيضاً، مما جعل وصول المعلومة الثقافية عزيزاً جداً على القارئ اليمني الذي كان شغوفاً بالقراءة وتنمية معارفه مهما بلغت درجة تعليمه، ولقد أثبتت الأيام أنَّ اليمني قارئ شغوف وسياسي خطير؛ لكنه بلا حظ.
اليمن مثقلة بكم هائل من الإرث الطائفي والسلالي، والفساد الطاغي في طول البلاد وعرضها في سنوات معدودة لا تتجاوز أصابع اليدين، ولا تباشير أمل تلوح في الأفق؛ لينتهي كل ذلك، وهذا يهدد عدة أجيال قادمة بأنْ تُصبح هويتها في خطر عظيم، وتاريخها في مهب الريح - بكل أسف.
ومع كل ذلك، وفي خضم هذه المأساة والملهاة معاً؛ مازال اليمني يصارع بكل صنوف الأسلحة المعنوية والمادية للبقاء واقفاً أمام ريح هوجاء، وعاصفة شنعاء، وسلالية بغيضة تمتص دماء اليمنيين وأرزاقهم وقوت يومهم...
إنها سلالة تمضغ القات ليلاً، وتطارد اليمنيين نهاراً، ولا تبتكر شيئاً غير تنكيد حياة اليمنيين وتعكير صفوهم، وابتزازهم، وسلخهم، وتجويعهم، وتدمير حاضرهم ومستقبلهم..!!
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر