رئيس الوزراء: مكافحة الفساد ليست مجرد كشف الجرائم بل هي استراتيجية لحراسة القيم وردع التجاوز وترسيخ فضيلة النزاهة
أكد رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك أن "مكافحة الفساد ليست مجرد عملية لكشف الجرائم أو تقييد المخالفين، بل هي استراتيجية لحراسة القيم وردع التجاوز، وترسيخ فضيلة النزاهة، كما أن نقل قضايا الفساد إلى حياة الناس عبر الإعلام والمجالس العامة، والمنصات، يشكل ضغطًا شعبيًا ضروريًا لمحاصرة الفاسدين، وتعزيز الرقابة".
ولفت رئيس الوزراء، الى حرص الحكومة على أن لا تكون جهود مكافحة الفساد ردود أفعال ظرفية، بل سياسة عامة متكاملة، ومسار ونهج قائم على قواعد واضحة ومعايير دولية، على رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي كان اليمن من أوائل الموقعين عليها منذ عام 2003، بالإضافة إلى الالتزامات في إطار اتفاقية مكة المكرمة لمنظمة التعاون الإسلامي، وسائر المعايير الدولية المعتمدة دوليًا وإقليميًا.
وقال الدكتور أحمد عوض بن مبارك "منذ اليوم الأول، وضعنا نصب أعيننا تفعيل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. فقد وجهنا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمراجعة أداء العديد من المؤسسات الحكومية الحيوية، وقد رفعت التقارير المتعلقة بذلك إلينا وإلى مجلس القيادة الرئاسي، مما أسفر عن إحالة العديد من الملفات إلى القضاء سواء من قبلنا أو من قبل فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي".
كما أكد ان هذا التوجه يعكس التزام الحكومة العميق على كافة الأصعدة بمكافحة الفساد، ويعبر عن الإصرار الثابت على بناء نموذج للدولة يقوم على أسس العدالة وسيادة القانون، حيث يُحاسب كل من يثبت تورطه في الفساد أو تواطؤه معه.. موضحا انه تم التوجيه بتفعيل الإدارة العامة للمراجعة الداخلية، وتنفيذ سياسة التدوير الوظيفي للمدراء الماليين في المؤسسات الحكومية، وإنشاء فريق فني متخصص يتبع مكتب رئيس الوزراء ويضم وحدة خاصة لتعزيز الشفافية، بهدف تقديم الدعم والمشورة في تعزيز الشفافية والتنسيق بين الجهات الحكومية ذات الصلة ودراسة التجارب في أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال.
جاء ذلك خلال افتتاح دولة رئيس الوزراء، اليوم الاثنين، في العاصمة المؤقتة عدن، فعاليات ورشة العمل عالية المستوى حول تعزيز جهود إنفاذ القانون في مكافحة الفساد، وذلك في اطار إيجاد رؤية وطنية شاملة لتعزيز الشفافية وتفعيل المساءلة.
ونقل دولة رئيس الوزراء، في مستهل الكلمة التي ألقاها عقب افتتاحه الورشة التي تعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني المتخصصة في هذا المجال، للحاضرين تحيات فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي وتمنياتهم لهذا اللقاء التوفيق والنجاح، وهم الذين وجهوا الحكومة منذ اليوم الأول لاعتماد سياسة واضحة وإجراءات عملية لمكافحة الفساد.. معربا عن أمله في ان تمثل هذه الورشة نقطة هامة في مسار بناء مؤسسات الدولة، القائمة على الشفافية، والمساءلة، والنزاهة، وسيادة القانون.
وتطرق الدكتور احمد عوض بن مبارك، الى تفعيل لجنة مناقصات شراء ونقل وتوزيع الوقود للكهرباء، الذي أسهم في ترشيد الإنفاق بمئات الملايين من الدولارات في عام واحد، والتوجيه بإلغاء عقود الطاقة المشتراة في محافظة عدن، التي كانت تمثل عبئًا ماليًا على الدولة وتُهدر خلالها ملايين الدولارات سنويًا.
وأشار رئيس الوزراء، الى إن الحكومة وهي تتبنى رؤية واضحة وشاملة لإخراج اليمن من وضعه الراهن، تدرك تمامًا أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وتفعيل المساءلة ليست فقط مطالب أخلاقية، بل شروط أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي، واستعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة... موضحا ان هذه الأولويات تشكّل محورًا أساسيًا في المسارات الخمسة التي أطلقها منذ تحمله المسؤولية وتشمل استعادة الدولة وتعزيز مركزها القانوني، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، والإصلاحات المالية والإدارية، إضافة الى تنمية الموارد الاقتصادية، والاستخدام الأمثل للمساعدات والمنح الخارجية.
ونوه الدكتور أحمد عوض بن مبارك، بأن هذه الورشة التي تأتي ضمن مبادرات المسار الثاني، لتكون إحدى الأدوات الفعلية لتجسيد تلك الرؤية على أرض الواقع، ليست مجرد فعالية بروتوكولية أو نقاش أكاديمي، بل منبر وطني جامع، نهدف من خلاله إلى فتح حوار مؤسسي وتشاركي بين كل الفاعلين في منظومة إنفاذ القانون، من قضاة ووكلاء نيابة وأجهزة رقابية، ومؤسسات تنفيذية بالتكامل مع المجتمع المدني، والإعلام، والقطاع الخاص، وبالشراكة مع الشركاء الدوليين.. لافتا الى إن الفساد، لا يتسبب فقط في هدر الموارد العامة، بل يؤدي أيضًا إلى تعطيل التنمية، وتفكيك النسيج المؤسسي، وانهيار الخدمات وخلق فجوة بين المواطن والدولة.
وقال "ما نعانيه اليوم من تردي للخدمات في شتى المجالات الا أحد النتائج المباشر للفساد وضعف الشفافية. ولهذا فإن أي جهود للتعافي وإعادة البناء لا يمكن أن تُكتب لها الاستدامة ما لم تكن مدعومة بمؤسسات قادرة، ونزيهة، وشفافة، وقائمة على المساءلة".
وشدد رئيس الوزراء، ان نظرية تأجيل مكافحة الفساد نظرا للظروف الراهنة، لا يمكن القبول بها وتجارب الشعوب اثبتت ذلك، بل ان مكافحة الفساد في الظروف غير العادية اشد أهمية .. وقال " تخيلوا اننا نصرف سنويا 600 مليون دولار على شراء الكهرباء وليست منتظمة، وتم التعاقد باكثر من 180 مليون دولار لتشغيل مصافي عدن ولم تشتغل وهذا كله مخالف للقانون".
وأضاف "يجب أن نواجه أنفسنا، ونكون صادقين، ونعترف بأن هناك إشكالية حقيقية، هذه مسؤولية مجتمعية، أمانة دينية وأخلاقية، ومن المعيب علينا أن نبقى في مواقعنا، ونحن نرى هذا الأمر والفساد غير المقبول، وعلينا ان نكون صادقين لتغيير الواقع ونتحمل هذه الأمانة، وعدم الانشغال بالقضايا الصغيرة".
ولفت الى ان مكافحة الفساد لم تعد خيارا بل امر حتمي، وما نعيشه من معاناة في العاصمة عدن وفي غيرها من المدن وفي القرى، بينما هناك ملايين الدولارات ومليارات الريالات تصرف في غير محلها ونحن أشد الحاجة لها في قضايا رئيسية.. وقال "يجب أن نكون مؤمنين بهذا الأمر، ونعمل على أساسه، ومن موقعي كرئيس وزراء ومسؤول تنفيذي في هذه المسألة، ساكون معكم إلى آخر المدى في قضية مكافحة الفساد، مهما كانت التضحية في هذا الأمر، وهي مهمتنا جميعا وليست قضية روتينية".
وأكد الدكتور احمد عوض بن مبارك، على ضرورة التعاطي مع مكافحة الفساد بمسؤولية عالية، ومغادرة أي تصنيفات وأي شيء، فالجميع شركاء في هذه المسؤولية، واذا تعاملنا بجدية فشركاؤنا الدوليين وفي المقدمة الاشقاء بالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة سيكونون عونا لنا، لكن علينا ان نؤمن بهذه القضية وانها مسؤوليتنا ولن يقوم بها احد غيرنا.
وقال "إننا لا نبني فقط سياسات، بل نبني مناخًا جديدًا يكون فيه القانون هو المرجع، والنزاهة هي القاعدة، والمساءلة هي الضامن الحقيقي لحقوق الناس، ولتحقيق ذلك، لا بد من أن ننتقل من مرحلة الخطابات والوثائق إلى مرحلة التنفيذ الفعلي والمحاسبة الجادة، مع إدراك عميق بأن النجاح في هذا المسار لا يتم إلا بتكامل الأدوار، وتنسيق الجهود، وتوفّر الإرادة السياسية والمجتمعية معًا".
كما أكد الدكتور أحمد عوض بن مبارك، أن الحكومة ستواصل تقديم كل الدعم الممكن للسلطات القضائية والرقابية، وللنيابة العامة، وتلتزم بتعزيز استقلاليتها وقدراتها، وتوسيع نطاق التنسيق بينها، وإزالة أية معوقات تقف أمام قيامها بدورها الكامل في مكافحة الفساد وإنفاذ القانون بفاعلية وكفاءة.. داعيا أبناء الشعب إلى أن يكونوا العون والسند للحكومة وسلطات إنفاذ القانون في المعركة ضد الفساد، الذي طالت آثاره جميع مناحي حياتنا وأثر في كل بيت.
وقال "نحن ندرك تمامًا تعقيدات هذه المرحلة، والمقاومة الشرسة للتغيير والإصلاحات، والتي أصبحت واضحة للجميع. لكننا نؤكد لشعبنا العزيز أننا لن نتوانى أو تتخاذل في كشف الفاسدين واحالتهم الى القضاء، مهما كانت التحديات. ليس أمامنا خيار سوى المواجهة والصمود، فكونوا سلاحنا وأدواتنا في هذه المعركة، وسنكون عند حسن ظنكم بنا ولن نخذلكم".
ودعا رئيس الوزراء، الجميع باسم الوطن والمسؤولية والأمانة التي في اعناقهم، إلى العمل الجاد من أجل تحويل ما يُطرح في هذه الورشة إلى نتائج ملموسة وخطوات قابلة للتطبيق، تفتح الباب لمرحلة جديدة في مسار مكافحة الفساد وتحقيق العدالة في الوطن.. موجها في ختام كلمته الشكر لوزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، والنيابة العامة، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، على التنسيق لإقامة هذه الفعالية.. معبرا عن الامتنان للأشقاء في التحالف وخصوصا المملكة العربية والسعودية ودولة الامارات العربية المتحدة وللشركاء في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكل الخبراء والمشاركين من داخل اليمن وخارجه، ممن قدموا من وقتهم وخبراتهم دعماً لهذا الجهد الوطني.
