أجرت قناة العربية الحدث مقابلة خاصة مع رئيس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك وضع فيها النقاط على الحروف وكشف عن الكثير من التفاصيل التي تخص الشأن اليمني والوضع الاقتصادي والحرب مع الحوثيين.
"المنارة نت " تُعيد نشر نص المقابلة كاملة :
طلال: مشاهدينا الكرام، يسعدنا الآن أن نستضيف في لقاء حصري من استوديوهاتنا في مقر الأمم المتحدة، ومباشرة على الهواء، رئيس وزراء جمهورية اليمن الدكتور أحمد عوض بن مبارك. معالي رئيس وزراء اليمن أحمد عوض بن مبارك، أهلاً وسهلاً بك على شاشتنا.
بن مبارك: أخي طلال، أنا سعيد دائماً أن أكون معك. تعيدنا الذكريات إلى أيام خدمتي هنا في نيويورك.
طلال: أهلاً وسهلاً بك. أود أن أبدأ بالسؤال عن الاجتماع المغلق بعد ظهر الأمس، والذي تطرقنا إليه بإسهاب قبل هذا اللقاء. ماذا تستطيع أن تقول لنا عن نتائجه؟ وهل كانت مرضية لكم؟ أنتم جئتم هنا في زيارة خاطفة من أجل حضور هذا المؤتمر.
بن مبارك: أولاً، هذا أول مؤتمر مشترك بين اليمن وبريطانيا. في كافة المؤتمرات السابقة، منذ بداية هذه الأزمة أو بداية الحرب، دائماً اليمن لم تكن طرفاً أصيلاً يحدد احتياجاته، يضع رؤيته، ويطلب بدرجة رئيسية القضايا التي تشكل أولوية بالنسبة له. لأول مرة نكون طرفا منظما لاجتماع مهم من هذا النوع.
طلال: تشاركتم في تنظيم هذا المؤتمر؟
بن مبارك: نحن من دعونا الدول، اليمن وبريطانيا هما الطرفان المنظمان لهذه الفعالية. وكانت فرصة كبيرة جداً أن تأتي الحكومة اليمنية لتقدم رؤيتها في مجال التعافي الاقتصادي والمسارات العاجلة والرئيسية، وتستعرض طبيعة التحديات العاجلة التي تواجهها، وما تم تحقيقه خلال العام الماضي من جهود في مجال الإصلاح، وتعزيز البناء المؤسسي، وغيرها من القضايا، وكانت قائمة على عدد من الركائز التي نعتقد أنها مهمة جداً في هذا الظرف الصعب الذي يمر به اليمن.
طلال: المبعوث الخاص لليمن هانز جرينبرج قال في إحاطته الأسبوع الماضي في مجلس الأمن إن الوضع الاقتصادي متدهور في جميع أنحاء اليمن، وأن الجميع يعاني هناك. وأشار إلى أن هناك 19 مليون ونصف المليون يمني في حاجة ماسة للمساعدات، وأن هذه الأرقام ارتفعت بمقدار مليون و300 ألف يمني مقارنة بالعام الماضي. وفي ديسمبر من هذا العام، في إحصائية قام بها برنامج الغذاء العالمي، وُجد أن 61% من الأسر اليمنية تجد صعوبة في تأمين وتوفير الغذاء للأطفال وأفراد العائلة، هناك نقص في الأمن الغذائي ويزداد في اليمن. قال جرينبرج، في واقع الأمر، إن الأمر يحتاج إلى توحيد فرعي البنك المركزي اليمني، استئناف تصدير النفط، ودفع مرتبات الموظفين الحكوميين اليمنيين. هل هذه أمور بعيدة المنال في رأيك؟
بن مبارك: أولاً، أتفق مع تشخيص المبعوث في وصفه للنتائج، لكن غاب عن مداخلة المبعوث من هو السبب في هذه الأمور. معلوم أن اليمن، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، عُدّت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بشكل عام على مختلف الأصعدة، لكن المسبب الحقيقي والرئيسي هو الميليشيا الحوثية الإرهابية، التي شنت حرباً عسكرية على اليمنيين بانقلابها، ثم شنت حرباً اقتصادية بمنعها تصدير النفط الخام والغاز المنزلي، وفرضها قيوداً على الموانئ، هذا قاد إلى حرمان الشعب اليمني من عدد كبير من موارده ومصادر دخله، في مقابل جبايات غير قانونية تحصل عليها هذه الميليشيات وصلت إلى حد ابتزاز واستغلال مأساة شعبنا في فلسطين والعمليات العسكرية التي تقوم بها لابتزاز الشركات العالمية. التقرير الأممي يقول إن الميليشيا حصلت في العام الماضي على أكثر من 180 مليون دولار فقط كابتزاز مباشر للشركات، مقابل السماح لها بالمرور في البحر الأحمر. لذلك، بالتأكيد أن قضية إعادة تصدير النفط هذه قضية مهمة جداً، وأمس كنا واضحين في هذا الأمر أمام المجتمع الدولي؛ أن مقابل ما فقدته الحكومة اليمنية من مصادر الدخل لا تعوضه كافة المساعدات الدولية، وهذا يجعل حياة اليمنيين صعبة، بل مستحيلة. هذا يجعل قدرة الحكومة على الإيفاء بالكثير من القضايا والخدمات الأساسية والصرفيات الحتمية صعبة للغاية. لذلك، في إطار هذه الرؤية، نحن بحاجة إلى دعم مباشر من قبل المجتمع الدولي والإقليمي، يمكن الحكومة اليمنية من الإيفاء باحتياجاتها المباشرة من جهة، ومساعدتها على تنمية إيراداتها، وتطبيق خططها الاقتصادية الطموحة، التي تضمن تنمية الإيرادات في قطاعات واعدة كثيرة.
طلال: إذاً، كلام المبعوث غير منطقي عندما يقول إن الحل هو توحيد شطري البنك المركزي اليمني واستئناف تصدير النفط اليمني، في ظل ما تقوم به ميليشيا الحوثي من عرقلة واضحة لهذا الأمر، فليس ما قاله صراحة هو العلاج. قلت في كلمتك في الاجتماع مساء أمس إن من أسوأ الأعمال العدوانية التي تقوم بها ميليشيات الحوثي، وهذا أستقيه من خطابك في الاجتماع البارحة، هو شن حرب اقتصادية على الحكومة تسببت في حرمان الشعب اليمني من موارد النفط الخام، مما فاقم الفقر والمجاعة وانعدام الأمن الغذائي، وتدهور سعر صرف العملة اليمنية والخدمات الأساسية كالكهرباء والماء. ما سبب هذه العدوانية المقيتة التي تودي بحياة أفراد الشعب اليمني؟
بن مبارك: هذه الجماعة لم تكن يوماً من الأيام مهتمة بمصالح الشعب اليمني أو بحياته، سواء في المحافظات المحررة التي تقع تحت سيطرة الحكومة، أو حتى في المناطق التي تقع تحت سيطرتها. التقارير الأممية والمستقلة تشير إلى حجم الاختراقات والانتهاكات التي تقوم بها هذه الميليشيات على كافة الأصعدة شيء لا يمكن تقبله وتخيله، هذه الانتهاكات تفاقم المعاناة الإنسانية لشعبنا نتيجة لصعوبة الحياة الاقتصادية. الميليشيا تشن حرباً اقتصادية؛ دعك من مسألة ضرب المنشآت النفطية ومنع تصدير النفط، أو ارتفاع أسعار استيراد السلع، تعلم أن جزءاً كبيراً من استهلاكنا يأتي من الخارج، خاصة القمح، ارتفاع أسعار التأمين، ليس فقط في اليمن ولكن في المنطقة والعالم كله، زاد الوضع سوءاً، حجم الارتفاع في التضخم العالمي زاد بمعدلات تتراوح من 0.2% إلى 0.5%. عالمياً أكثر من 40% من التجارة بين الشرق والغرب، بين آسيا وأوروبا، انخفضت نتيجة لتصرفات هذه الميليشيا، هذه التصرفات كان لها انعكاسات كبيرة جداً على الشعب اليمني. بدون فهم طبيعة هذه الميليشيا والبعد العقائدي لها، من الصعب أن يفهم العالم طبيعة الصراع في اليمن أو يجد مقاربة حقيقية لمعالجة الإشكال في اليمن. لذلك، في كلمتي أمس، وأيضاً خلال لقائي مع الأمين العام ومساعده، شددت على الحاجة إلى مقاربة جديدة من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة. عشر سنوات مضت، كان بالإمكان تحقيق الكثير من النجاحات في المسارات المختلفة لو تم التعاطي مع الملف اليمني بشكل مختلف.
طلال: ماذا حدث مع الناقلة النفطية "صافر" التي نقلتها الأمم المتحدة بتكلفة تفوق 140 مليون دولار؟ هل تم استخراج النفط منها؟ ما المستجدات؟
بن مبارك: هذه واحدة من القضايا التي تؤكد ضرورة تغيير المقاربة الدولية. عندما أُثيرت قضية "صافر"، قلنا منذ البداية إن هذه مشكلة يمكن معالجتها بـ 5 ملايين دولار كحد أقصى، لكن المجتمع الدولي قبل أن يتعرض للابتزاز من قبل جماعة الحوثي لسنوات طويلة. الأموال التي جُمعت فاقت 100 مليون، ذهبت أدراج الرياح، ولم يتم استبدال السفينة، ولا تم الاستفادة من النفط، لا يزال الخطر البيئي قائماً، ولم نعد نسمع شيئاً عن صافر. الآن هناك عشرات السفن الأخرى التي أصبحت مثل "صافر"، مثل السفينة "جالاكسي" المنهوبة من قبل الحوثيين، والسفينة "زمار" التي تم قصفها من قبل الحوثيين. هناك الكثير من العمليات العسكرية المماثلة والقرصنة التي تحدث يومياً، ولم يعد أحد يتحدث عنها. لذلك، أقول إن هناك حاجة إلى مقاربة دولية جديدة وخطاب مختلف. لا يمكن تصور أن المجتمع الدولي بعد ما حصل في العامين الماضيين يستمر بالتعامل مع الحوثيين بناءً على سرديات خاطئة. سابقاً، كانوا يقولون إن هذه جماعة غير عقائدية، بل سياسية اجتماعية، كانوا ينكرون أنها بروكسي لإيران أو أنها تشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي والدولي. هذه السرديات سقطت بالكامل، وبالتالي، بسقوط هذه السرديات التي قامت عليها المعادلة والمقاربة السياسية والدولية سابقا؛ يجب إعادة النظر في التدخلات الواجبة لمعالجة القضية في اليمن. لا يمكننا النظر إلى الأزمة في اليمن فقط من منظور إنساني. إن لم يتم التعاطي مع الأزمة اليمنية من زوايا أكثر شمولاً (سياسية، أمنية، عسكرية، واقتصادية) وفهم حقيقي لطبيعة هذه الجماعة فلا يمكن إيجاد معالجة حقيقية للصراع في اليمن.
طلال: هل شعرت أثناء زيارتك للأمم المتحدة بتغير في النظرة الدولية تجاه الحوثيين، الأمم المتحدة يصفها البعض بالتخاذل، هل شعرت أثناء حديثك إلى البريطانيين المسؤولين عن الملف اليمني أن هناك نظرة جديدة تجاه الحوثي واكتشاف ماهيته بعد كل هذه الفترة؟
بن مبارك: دون شك، هناك تغير كبير جداً في فهم طبيعة الصراع في اليمن. هناك إدراك بأن الحوثي يشكل عامل تهديد إقليمي ودولي، وليس محلياً فقط بالنسبة لليمن. لكن تحويل هذا الفهم إلى أفعال يحتاج إلى عمل مشترك، علينا كحكومة في اليمن أن نلعب دورا كبيرا في هذه المسألة، وعلى المجتمع الدولي كذلك أن يقوم بعمل الكثير في هذا الاتجاه، وعلى الأدوات الأممية كذلك ممثلة بمجلس الأمن وأدواته عليه أن يكون بمستوى هذا التغير وهذا الفهم. أهم رسالة وجهناها أمس كانت أن وجود حكومة قوية وفاعلة في اليمن هو عامل استقرار، ليس فقط داخلياً، بل إقليمياً ودولياً. لذلك، من الواجب دعم الحكومة اليمنية بشكل مباشر، وتمكينها اقتصادياً لتقديم خدمات مباشرة ولائقة لأبناء الشعب اليمني.
يجب أيضاً إيجاد آليات فعالة للدعم، تحول النظرة إلى اليمن من مجرد الجانب الإغاثي إلى شراكة تنموية، وإخراج اليمن من اعتبار أنها مجرد منطقة حرب، كما كان يُنظر سابقاً إلى دول مثل الصومال أو إثيوبيا. اليمن لديها إمكانات كبيرة، لذلك، عندما نتحدث عن خطة التعافي والمسارات الخمسة التي تشكل أولويات بالنسبة لي كرئيس وزراء، فإنها تشمل:
- استعادة الاستقرار والأمن، والحفاظ على المركز القانوني للدولة.
- مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية.
- الإصلاح المالي والإداري.
- تنمية الموارد الاقتصادية، ونحن نتكلم هنا عن إمكانات اقتصادية كبيرة سواء في قطاع الطاقة أو النقل أو الزراعة والثروة السمكية وغيرها من قطاعات واعدة في اليمن.
- تعزيز تعظيم الاستفادة من المساعدات والإعانات الدولية.
نحن نعمل على هذه الأولويات بشكل مشترك مع المجتمع الدولي. يوم أمس، كان هناك نقاش واضح ومحدد، وأكرر أننا لأول مرة نكون منظمي هذه الفعالية ونأتي برؤية واضحة وخطط تفصيلية وأولويات محددة، وفي بعض الأولويات حددنا جملة من البرامج والمبادرات المحددة التي نطلب حيالها شراكات وليس فقط تدخلات، فنحن نريد مغادرة مربع المساعدات إلى مربع الشراكات. اليمن بشعبه بموقعه الاستراتيجي قادر على هذا، اليمن يمكن أن يكون عامل استقرار وشريكا حقيقيا في التنمية والاستقرار الذي نراه الآن. بالتأكيد نحن لدينا تعاون استراتيجي ودعم مباشر من أشقائنا في المملكة العربية السعودية بدرجة رئيسية وأشقائنا في الإمارات العربية المتحدة، لدينا تنسيق فني كبير جدا مع الأصدقاء البريطانيين والأمريكان والفرنسيين والروس والصينيين، نحن نريد أن نعمل مع كافة الأطراف الدولية ونقدم اليمن كشريك فقط لا كمصدر تهديد أمني أو إزعاج إنساني.
طلال: أين نحن الآن من القرار تحت الفصل السابع 2216، الذي أصدره مجلس الأمن بأغلبية 14 صوتا إلى صوت واحد ممتنع وهو لروسيا، إذا كان لمجلس الأمن أن يحافظ على تنفيذ قراراته وهيبته هل نساه أو تناسى المجتمع الدولي هذا القرار؟
بن مبارك: كنا سويا هنا في 2018، كانت أطراف دولية كثيرة تتحاشى الحديث حول القرار 2216، الآن هذه الأطراف نفسها هي من يؤكد ويركز على القرار 2216 ويعده مفتاحا للحل في اليمن، وتعلم أن هناك حاليا عمليات عسكرية تتم في المنطقة لهذه الدول التي كانت لفترة طويلة تقول إنه لا يمكن استخدام القوة، نحن دائما نقول لا حل في اليمن إلا وفقا للمرجعيات الثلاث وأمميا بدرجة رئيسية القرار 2216 وكافة القرارات الأممية.
طلال: ماذا عن الشراكات الاقتصادية مع القطاع الخاص وجلب الاستثمارات وهل يمكن للحكومة أن توفر الأمن والاستقرار اللازمين لنجاح القطاع الخاص في النمو والازدهار في اليمن؟
بن مبارك: الشراكة مع القطاع الخاص ركن رئيسي في خطتنا وفي الأولويات الرئيسية. القطاع الخاص يقوم بدور مهم واستراتيجي في اليمن قبل الحرب، وخلال الحرب لعب دوراً أكثر أهمية. الآن، نحن نعول كثيراً على القطاع الخاص المحلي والاستثمار الأجنبي المباشر.
طلال: ولكن الاستثمار يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة. كما تعلم، رأس المال بطبيعته "جبان".
بن مبارك: هناك فرق بين المخاطر والمجازفة، كما يقال "مخاطرة كبيرة، عائد كبير". قلت في افتتاح حديثي ينظر لليمن دائما من زاوية الحرب والصراع، لدينا 70-80% من الجغرافيا اليمنية آمنة ومستقرة وفيها مجتمعات مدنية محلية ونشاط اقتصادي يمكن البناء عليه. على سبيل المثال، العاصمة المؤقتة عدن لديها الكثير من الفرص، الوضع الأمني في عدن الآن يشهد تحسناً في الوضع الأمني والنشاط الاقتصادي أكثر بكثير من الفترات السابقة. عادت المؤسسات والنشاط لعدن، نعمل أيضاً على استكمال البنية التشريعية المتعلقة بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، بما يعرف بمبدأ "الشراكة بين القطاعين العام والخاص". ونعمل مع مؤسسات دولية مثل "IFC" على تطوير قطاعات محددة، تمكن القطاع الخاص من العمل في اليمن خاصة قطاعات تمثل أهمية قصوى بالنسبة لنا مثل قطاع الكهرباء والنقل والموانئ، ولدينا مصافي عدن وهي أحد أهم العناصر الرئيسية. هناك فرص كثيرة، وهناك توجه استراتيجي من قبل الحكومة في هذا الاتجاه وهناك فرص متاحة، قبل أسابيع قليلة، أعلن مجلس الأعمال اليمني السعودي عن عدد كبير من المشاريع بأكثر من 200 مليون دولار، خصوصاً في قطاعات الطاقة المتجددة والزراعة الآمنة والمدن الزراعية الذكية. وكان لقاء بين رجال الأعمال اليمنيين والسعوديين، وهذا مؤشر على وجود فرص يمكن البناء عليها.
طلال: المبعوث الخاص هانز جرينبرج قال في إحاطته الأخيرة في مجلس الأمن إن الوضع في اليمن أصبح أكثر تدويلًا في هذه المرحلة، خصوصاً بعد الهجمات الحوثية على الملاحة في البحر الأحمر وضد إسرائيل مما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل إلى شن هجمات على مواقع يمنية وكانت بالطبع ضربات انتقامية. الآن هناك اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، هل تتوقع من الحوثيين شن مثل هذه الهجمات على الملاحة الدولية؟
بن مبارك: أولاً أؤكد أن الشعب اليمني بكل فئاته وجغرافيته موقفه واضح تجاه القضية الفلسطينية. لكن استغلال هذه القضية العادلة لتحقيق أغراض سياسية قضية تسقط سريعا أمام أي حجة. التصرفات الحوثية في البحر الأحمر مثل نشر الألغام وتهديد الملاحة، كانت موجودة قبل الأحداث الأخيرة بسنوات. التقارير الدولية تؤكد وتشير بالتفصيل إلى القرصنة التي قام بها الحوثي من سنوات قبل الأحداث الأخيرة في غزة، لذلك، محاولة البعض ربط التدخل الحوثي ومحاولة إيران للعب دور في البحر الأحمر بالقضية الفلسطينية أو ما حدث في غزة غير صحيحة وهذه قضية تحتاج إلى مراجعة، ونحن مستبشرون خيرا بوقف إطلاق النار، لكن الاعتقاد بأن وقف إطلاق النار في غزة سيكون له تأثير مباشر على تعديل سلوك الحوثيين هو بمثابة إقرار بأن الحوثيين لم يتحركوا إلا انتصاراً للقضية الفلسطينية. لكن معظم أبناء شعبنا يدركون أن هذا الادعاء غير صحيح. الحوثيون الآن يعتقدون أنهم يلعبون دوراً إقليمياً مهماً نتيجة الأدوار التي أظهرتهم كطرف فاعل في المنطقة، خاصة بعد خسارة إيران للكثير من العواصم التي كانت تدعي السيطرة عليها. هذا يدفعهم لمزيد من الحضور والتأثير في اليمن.
طلال: هذه الهجمات الحوثية كان لها أثر ووقع سيئ جداً على اليمنيين أنفسهم. الحديدة تعمل الآن بطاقة إنتاجية تصل 30% من قدرتها السابقة، كذلك رأس عيسى ومطار صنعاء الذي تدمر.
بن مبارك: حتى قبل العمليات العدائية التي ضربت البنية التحتية في اليمن، حجم الآثار الاقتصادية الكارثية على الشعب اليمني فقط في ارتفاع الأسعار وارتفاع التأمين البحري كانت كارثية على الشعب اليمني، الحوثيون يمنعون انتقال السلع والبضائع بين المحافظات المحررة ومناطق سيطرتهم، ويفرضون جبايات غير قانونية، مما يجعل أسعار البضائع مرتفعة جداً، نحن كحكومة نهتم بكل أبناء شعبنا وبكل المواطنين كما نهتم بأبناء شعبنا في عدن وحضرموت والمهرة كذلك نهتم بأبناء شعبنا في عمران وصعدة وصنعاء، ونقوم بواجبات كثيرة جدا في تسهيل كثير من القضايا التي تخفف من معاناتهم، لكن هذه الميليشيات بأفعالها غير المدروسة تعقد الحياة والوضع الإنساني أكثر وتحاول استغلال هذا الأمر سياسيا، لكن داخليا هذه رهانات خاسرة.
طلال: من حديثي إلى كثير الدبلوماسيين في أروقة الأمم المتحدة هم يحذرون من تصعيد قريب في اليمن بعد تولي ترامب للرئاسة، خاصة إذا استمر الحوثيون في تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر هل تعتقد أن هناك تصعيدا كبيرا سيحصل؟
بن مبارك: ما يهمنا هو أثر أي تصعيد على الداخل اليمني والشعب اليمني وبنيته التحتية. بالتأكيد، إضعاف هذه الميليشيا وكسرها قضية رئيسية، لكنها لم تعد قضية يمنية فقط، بل أصبحت قضية إقليمية ودولية.
لسنوات طويلة، كنا نقول إن هذه الجماعة، بفكرها الأيديولوجي، لا تختلف عن القاعدة أو داعش. هناك تقارير عديدة قدمت لمجلس الأمن تثبت الارتباط بين الحوثيين والجماعات الإرهابية الأخرى، مثل القاعدة وداعش، وحتى جماعات مثل الشباب في الصومال. لذلك، هذه الجماعة تشكل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
طلال: تنظيم الحوثي كان على قائمة المجموعات الإرهابية خلال فترة رئاسة الرئيس ترامب الأولى. هل طالبتم بإعادة تصنيفه على هذه القائمة؟
بن مبارك: نعم، الحكومة اليمنية صنفت جماعة الحوثي كجماعة إرهابية، وطلبنا من المجتمع الدولي تصنيفها كذلك. هناك الآن أصوات متعالية داخل الإدارة الأمريكية وحتى في إدارة الرئيس بايدن كانت هناك أصوات كثيرة تطالب بإدراج جماعة الحوثي كجماعة إرهابية، هناك مشروع قرار في الكونجرس يناقش هذه القضية، ما هو معلوم من الأسماء التي ستكون في إدارة الرئيس ترامب لديها موقف واضح في هذا الاتجاه. لكن ما يهمنا أكثر من التصنيف هو أن يتحول هذا إلى خطوات عملية تؤثر فعلاً على قدرات هذه الجماعة.
طلال: هناك عمليات عسكرية، مثل "أسطول الحرية" الأوروبي، التي تستهدف حماية الملاحة الدولية من الهجمات الحوثية. ما رأيك في فاعلية هذه العمليات؟
بن مبارك: هذه العمليات، مثل "أسطول الحرية" الأوروبي أو العمليات الأمريكية والبريطانية مثل "حارس الازدهار"، تركز على حماية المصالح الدولية والغربية تحديدا نتيجة للتهديدات الحوثية. لكن اليمن، كحكومة، ليست جزءاً من هذه العمليات.
طلال: هناك 50 رهينة لدى الحوثيين، يعملون في الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية وبعثات دبلوماسية ومجتمعات مدنية. لماذا فشلت الأمم المتحدة ومبعوثها في إطلاق سراحهم؟ وما الذي يمكن فعله لضمان الإفراج عنهم؟
بن مبارك: لفهم هذه القضية، يجب أن ندرك أن لماذا قام الحوثي بهذه العملية، الحوثي بنى سردية كاملة قادت إلى اعتقال هؤلاء الموظفين الأمميين والدبلوماسيين وموظفي المنظمات. جماعة الحوثي تعمل على "تنظيف" المؤسسات الحكومية من الكادر البيروقراطي اليمني الوظيفي واستبداله بكوادر عقائدية لمليشيا الحوثي. الحوثي بنى هذه الاعتقالات على فلسفة أن كل هؤلاء الموظفين خالفوا ما يسمونه بالثقافة الإيمانية وهي قراءته المتشددة للإسلام والحياة والثقافة اليمنية، هو خلق من هذه الاعتقالات نماذج رئيسية تدعم هذه الاستراتيجية، وبالتالي أظهر هؤلاء الرهائن كجواسيس وعملاء وماسونيين لتحقيق أجندتهم.
طلال: هل من أمل في إطلاق سراحهم؟
بن مبارك: نحن نضم صوتنا مع المجتمع الدولي لإطلاق سراح هؤلاء المختطفين، لكننا نرى أن الجهود الدولية لم تكن بالمستوى المطلوب ولم ترق إلى المسؤولية الأخلاقية للمجتمع الدولي. للمرأة في اليمن مكانة خاصة في ثقافتنا وعقيدتنا ولها حرمة، اعتقال النساء مع أطفالهم من قبل الحوثيين على هذه الصورة هي سابقة لم تحصل في التاريخ اليمني الحديث مطلقاً، ما يفعله الحوثي شيء مشين في ظل حديثه أنه يمثل ثقافة إيمانية. هذه مخالفات جسيمة كذلك وفقا للأعراف الدولية والقوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني، وعلى المجتمع الدولي أن يكون حازما تجاه هذا النوع من الممارسات. أحيانا لا نفهم خطوات المجتمع الدولي التي ترى- دون فهم لطبيعة هذه الجماعة- أن هذه الجماعة قد تطلق بنداءات أولئك المختطفين والمخفيين قسراً.
طلال: المجتمع دولي فشل في هذا المجال لكنها فشلت في الكوليرا التي انتشرت في اليمن، الصحة العالمية تعتبر اليمن من أكثر الدول بالنسبة لعدد السكان انتشارا لمرض الكوليرا وكذلك من ناحية عدد الوفيات، 35% من إصابات العالم في اليمن و18% من الوفيات باليمن، هل تعتقد أنه يمكن إطلاق حملات تطعيم مثل تلك التي حدثت في غزة، لحماية النساء والأطفال والشعب اليمني؟
بن مبارك: جزء كبير من حملات التطعيم التي نقوم بها تفشل بسبب منع الحوثيين لها في المناطق التي يسيطرون عليها. على سبيل المثال، اليمن كانت قد تخلصت من شلل الأطفال نهائياً، لكنه عاد الآن بسبب رفض الحوثيين لحملات التلقيح ضد شلل الأطفال. تارة يستخدمون أعذاراً دينية، وتارة أخرى يعتبرونها مؤامرات غربية. عبدالملك الحوثي نفسه يتحدث عن هذه المسألة، مزيد من الجهد الأممي والشراكة مع الحكومة اليمنية يمكن أن يساعد في هذا الأمر. كان لي لقاء في نيويورك مع معالي الأمين العام ومساعدته، أقول إن لدينا شراكات ناجحة وكثيرة ونثمن الأدوار التي تقوم بها الأمم المتحدة سواء الـ UNDP أو اليونيسيف وغيرها من المنظمات العاملة في اليمن في سواء الجوانب الصحية أو برامج الحوكمة والبرامج الإنسانية، ونلعب دورا رئيسيا بالشراكة معهم بالإضافة إلى الأدوار الكبيرة لشركائنا في المنطقة وفي المقدمة البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن والهلال الأحمر الإماراتي والكويتي والقطري وغيرها من المنظمات الإنسانية التي تعمل في هذا الإطار.
طلال: هل هناك محاولات الآن لشن حملات التطعيم؟
بن مبارك: لدينا برنامج لهذا، لكن نحتاج إلى مزيد من الدعم المالي والتخصيصات المالية من قبل الأمم المتحدة لتحقيق نتائج ملموسة.
طلال: هناك تقارير تتحدث عن نقل ميليشيات الحوثي لكميات كبيرة من الأسلحة من محافظة عمران إلى معقلهم في صعدة، لتوفير الحماية لهذه المخزونات من القصف. ما الذي تستطيع قوله في هذا الشأن؟
بن مبارك: هذه الجماعة دأبت على تعريض أبناء شعبنا في كل محافظة ليس فقط أهلنا في صعدة وعمران للخطر، ولكن في صنعاء قامت الميليشيا الحوثية بتحويل المناطق السكنية والجبال إلى مخازن للأسلحة، مما يعرّض المدنيين للخطر، تضرر كثير من المدنيين نتيجة لتخزين السلاح والوقود في الأحياء السكنية. لدينا رصد وتقارير واضحة عن عمليات إعادة تخزين كبيرة للأسلحة في صعدة وعمران وكذلك تم تخزين كثير من الأموال في صعدة خلال الفترة الماضية، وكذلك في الحديدة وصنعاء وغيرها على امتداد الجغرافيا اليمنية التي تحتلها هذه الميليشيا.
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر