الرئيسية - ثقافة - النرويجي جون فوس... شاعر في أرض الله
النرويجي جون فوس... شاعر في أرض الله
الساعة 02:14 مساءاً (المنارة نت / المجلة)

نشأ جون أولاف فوس المولود في 29 سبتمبر/ أيلول 1959، في ستراندبارم في النرويج، وكان طفلا جميلا بشعر طويل معقود إلى الخلف مع دراجة وغيتار. رفض فوس بشدة كتابة المسرح عندما حاول صديقه المخرج إقناعه بذلك، ولكنه استسلم بعد عشرة سنوات في 1993 وكتب أول مسرحية "شخص ما سوف يأتي" بسهولة لأنه كان مفلسا وبحاجة إلى المال. ودخل في القائمة الطويلة لجائزة بوكر العالمية في 2020 وترشح لنوبل للآداب في 2021 وحصل عليها في 2023 بعد أن بلغ 64 عاما من عمره.

حصل فوس على جائزة المجلس الإسكندنافي للآداب في 2015 عن روايته الثلاثية (سهاد وأحلام أولاف وتعب الليل). لم يرغب فوس البعيد عن الأضواء بحضور حفل التكريم، ولكنهم أقنعوه في النهاية، وعندما قالت رئيسة الوزراء إرنا سولبرغ إن هذه جائزة لمدينة لبيرغن أيضا امتعض فوسه لأنه اعتبر أن الجائزة لغرب النرويج وللغة النينورسك (النرويجية الجديدة) وليست لمنطقة بيرغن حيث تهمين لغات ريكسمول وبوكول.

الشاعر والكاتب المسرحي

صدر ديوان الشعر الأول لفوس بعنوان "أحمر، أسود" في عام 1983، ولكنه سرعان ما انتقل إلى الكتابة المسرحية إذ تعد مسرحية "سوف يأتي شخص ما" (1995) من أهم المسرحيات التي كتبها فوس، والتي عرضت في النرويج على المسرح الوطني في بيرغن، وأنتجت على المسرح في باريس وأخرجها كلود ريجي في عام 1999، حيث حجزت له مقعدا بين الكتاب العالميين. وتدور المسرحية حول شخصين يقرران أن يعيشا وحدهما فيتركان المدينة ويشتريان منزلا بعيدا منعزلا عند البحر، ولكنهما لا يتمكنان من متابعة الحياة على هذا النحو فلا بد من أن يأتي شخص ما. ولا يخفى التقارب هنا مع مسرحية "في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت أحد كتاب فوس المفضّلين.

دخل فوس دائرة العالمية في 28 سبتمبر/ أيلول 1999 في ذلك العرض الأول لمسرحية "شخص ما سيأتي" في نانتير قرب باريس ليدرك في اليوم التالي، الذي كان عيد ميلاده الأربعين، أنه قد بدأ مسيرته ككاتب مسرحي عالمي. أصبح يكتب بعدها للمسرح بوتيرة سريعة بلغت أحيانا مسرحيتين في صيف واحد، وقرر عندما بلغ الخمسين من عمره أنه لن يكتب مسرحا بعد اليوم، بعد أن أنجز 30 مسرحية و8 مسرحيات قصيرة.

يقول فوس: "في حالتي، يمكنك أن تتخيل أن بعض المسرحيات عبارة عن فصول مختلفة في المسرحية نفسها: إذ يمكن أن تكون مسرحية " الاسم" هي الفصل الأول، و"أغاني الليل" هي الفصل الثاني، أو على سبيل المثال؛ "الشتاء" هي الفصل الأول، و"شخص ما سوف يأتي" هي الفصل الثاني".

كتب فوس مسرحية "أغاني الليل" في 1997 ومسرحية "رجل الغيتار" في 1998، حيث يغني أحد الموسيقيين ويعزف المقطوعات لجمهور يتحرك ويمر من أمامه من جديد. وفي السنة نفسها كتب مسرحية "أنا الريح" والتي تدور أحداثها حول رجلين، "الأول والآخر" اللذين يسافران في رحلة في القارب وينتحر الأول مغرقا نفسه في البحر.

أما مسرحية "الاسم" التي حصلت على جائزة إبسن النرويجية، فقد عرضت لأول مرة في 27 مايو/ أيار 1995 في مهرجان بيرغن الدولي وأخرجها كاي جونسون، وعرضت في مهرجان سالزبورغ في عام 2000 وأخرجها توماس أوسترماير، وهي تدور حول عائلة مفككة تجبر عل العيش تحت سقف واحد، حيث تضطر الفتاة الحامل ووالد طفلها للانتقال للعيش في منزل والديها اللذين لم يلتقيا والد الطفل ولم يعرفا بحملها أصلا.

ميلانخوليا

صدرت رواية "ميلانخوليا" التي تتكون من جزئين في عام 1995 وتدور حول الرسام النرويجي لارس هيرتيرفيغ والفترة التي قضاها في شبابه في دسلدورف، يعاني سكرات الحب والتشكيك في فنه مما دفعه للانهيار العقلي. وحصلت الرواية على جائزة ميلسوم الأدبية النرويجية التي تمنح للكتاب والمترجمين الذين يكتبون بلغة نينورسك، وأتبعها في 1996 بالجزء الثاني الذي تدور أحداثه يوم وفاة هيرترفيغ.

صباح ومساء

كتب فوس روايته القصيرة أو النوفيلا "صباح ومساء" 2000 وصدرت ترجمتها العربية عن دار الكرمة (2018) بترجمة عن النرويجية لكل من شيرين عبد الوهاب وأمل رواش.

تبدأ الرواية بمولد الطفل يوهانس وتنتهي بموته عجوزا ويقدم فوسه بين هذين الحدثين تفاصيل حياة كاملة ومكثفة، في رواية تتحدث عن حلمنا جميعا بأن نعيش حياة لها معنى.

الثلاثية

بدأ فوسه في روايته "الثلاثية" بعد أن أنتهى من مسرحية "أنا الريح" (1998) ونشرت هذه الرواية في 2015   وتدور حول قصة حب كل من أسلا وأليدا العاشقين الضائعين في هذا العالم بلا مأوى ينتظران مولودهما.  وتتضمن الرواية شبكة من الإحالات والإشارات اللاهوتية والتاريخية والثقافية وتتألف من ثلاث روايات قصيرة (سهاد، وأحلام أولاف، وتعب الليل) وصدرت عن دار الكرمة 2023  بترجمة عن النرويجية لكل من شيرين عبد الوهاب وأمل رواش، ملتزمتين بما جاء في نسخة الرواية الأصلية في النرويجية فيما يخص الترقيم، حيث لا يضع فوسه الكثير من النقاط للحفاظ على أسلوب المؤلف.

يرى فوس أن المسرح يحتاج إلى الكثير من التكثيف والتوتر الداخلي القوي ولا يحتاج إلى الكثير من الدراما الخارجية. "أما السرد البطيء فهو مناف تماما للوتيرة السريعة، إذا يستغرق النثر وقتا أطول في الكتابة من الدراما، ويتطلب المزيد من السلام بداخلي وفي حياتي اليومية"

السباعية

بدأ فوسه سباعيته Septology التي صدرت أجزاؤها السبعة في ثلاثة مجلدات بعنوان: الاسم الآخر، وأنا الآخر، والاسم الجديد، واضعا حاسبه المحمول على بطنه في قلعة الشاعر الفرنسي بول كلوديل، وأخذ يكتب ويكتب حتى تحول النص إلى سبعة أجزاء.

الراوي والشخصية الرئيسة هو آسل، الرسام الأرمل الذي يعيش منعزلا في ديلجا في شمال بيورجفين، لا يقابل سوى جاره آسليك وباير صاحب صالة العرض الفني في المدينة. وهناك آسل أخر يعيش في المدينة نفسها ويعمل رساما أيضا، ونتابع خلال الرواية أحداث حياة كل منهما ونكتشف ماضي كل منهما.

لم يرغب في أن تكون شخصيته الرئيسة في الرواية كاتبا لذلك اختاره رساما، سيما وأن لديه خبرة جيدة في الرسم الذي مارسه مراهقا وفي ثلاثينياته.

يقول فوس: "لقد بدأت العمل بشخصية واحدة، ولكنهما انفصلتا خلال الكتابة"

وبعد أن غير عاداته بعد انقطاعه عن الشرب كتب العمل بأكمله في ساعات الصباح الباكر بين الساعة الخامسة والتاسعة صباحا. وصلت المخطوطة الأولى للكتاب إلى 1750 صفحة، ولكنه اختصرها إلى 1500 صفحة في نهاية الأمر، لتخرج في النسخة الإنكليزية في نهاية الأمر في 832 صفحة عن دار "فيتزكارالدو" في عام 2022 بترجمة داميون سيرلز. 

أهم ما يميز هذه السباعية هي تقنية "السرد البطيء" حيث تأخذ الرواية وقتها متهادية وكأنها منومة دون الاضطرار للانتقال من الحدث إلى الحدث الذي يليه بسرعة، أي السرد الذي يتهادى ببطء ويتمايل مليئا بالمحطات والتوصيفات والتأملات.

يرى فوس أن المسرح يحتاج إلى الكثير من التكثيف والتوتر الداخلي القوي ولا يحتاج إلى الكثير من الدراما الخارجية. "أما السرد البطيء فهو مناف تماما للوتيرة السريعة، إذا يستغرق النثر وقتا أطول في الكتابة من الدراما، ويتطلب المزيد من السلام بداخلي وفي حياتي اليومية".

وصف فوس نفسه بأنه شاعر من الداخل وفي كل ما يكتبه حيث يهتم بإيقاع الجملة ويحيك بمهارة العلاقة التي لا تنفصم بين الشكل والمضمون، فالمضمون هو الذي يحدد الشكل.

طبيعة الفن والله وإدمان الكحول من المواضيع الأساسية في السباعية ويرى فوس أنها تدور حول "المحيط والموت والحب". ويضيف إن الرواية برمتها عبارة عن "لحظة، لحظة محمّلة بالكثير، لحظة موت".

أثّر حب فوس للشراب على جميع جوانب حياته ما عدا الكتابة، ولكنه في 2012 اتخذ قرارا مصيريا بالتوقف عن الشراب تماما وتحول إلى الكاثوليكية وودع الحانات وانتقل إلى المقاهي.  كتبت الصحفية والمحررة في مجلة الجمعية النرويجية سيسيلي سينيس سيرة حياة جون فوسه الأدبية، وصدرت هذه السيرة بعنوان "شاعر على أرض الله" 2009، وظهرت ترجمات أعماله إلى الإنكليزية عن دار "فيتزكارالدو" البريطانية التي أتاحت كتب سفيتلانا أليكسيفيتش وأولغا تواكارتشوك وغيرهما الكثير لقراء الإنكليزية وترشح عن طريق هذه الدار للقائمة الطويلة لجائزة بوكر الدولية.

مقاطع من كتابات فوس: مجرّد أشياء نقولها
ترجمة: نجيب مبارك

 

1.

أحدهم قادم

ساحة أمام بيت عتيق ومتهدّم إلى حد ما؛ الطلاء متقشّر والعديد من النوافذ مكسورة، لكن البيت مع ذلك يتمتع بجمال مادي خشن، كما أنه معزول في أرض خلاء، بين الصخور، مع إطلالة على البحر. رجل وامرأة يصلان إلى الساحة، يطلان من زاوية البيت اليمنى.  إنه في العقد الخامس من عمره، بدين بعض الشيء، ذو شعر رمادي طويل نسبيا وعينين ماكرتين، يتحرك ببطء.  هي تبلغ من العمر حوالي ثلاثين عاما، طويلة ومتسقة البنية بشكل جيد، شعرها يصل إلى كتفيها، وعيناها كبيرتان، إيماءاتها طفولية بعض الشيء.  يسير الرجل والمرأة بجانب البيت، ماسكين بعضهما بأيدي بعض، ويستمران في النظر إلى البيت.
هي:

(بفرح)
قريبا جدا سنصير في بيتنا

هو:

بيتنا

هي:

بيت عتيق وجميل
بعيدا عن البيوت الأخرى
والأشخاص الآخرين
هو:

أنا وأنت وحدنا
هي:

ليس وحدنا فحسب
 بل وحدنا معا
(ترنو بعينيها إلى وجهه)
بيتنا
في هذا البيت سنكون معا
أنا وأنت
وحدنا معا
هو:
ثم لن يأتي أحد
(يتوقفان، وينظران إلى البيت)

هي:
وصلنا الآن بالقرب من بيتنا

هو:

إنه بيت جميل

هي:

الآن وصلنا بالقرب من بيتنا 

بالقرب من بيتنا
حيث سنكون معا
أنا وأنت وحدنا
بالقرب من البيت
حيث سنكون أنا وأنت
وحدنا معا
بعيدا عن الآخرين
البيت الذي سنكون فيه معا

وحدنا
الواحد قرب الآخر

هو:

بيتنا

هي:

البيت الذي نملك

 هو:

البيت الذي نملك 

البيت الذي لن يأتي إليه أحد

والآن وصلنا بالقرب من بيتنا

البيت الذي سنكون فيه معا 

بمفردنا بالقرب من بعضنا

(ثم يستمران في السير بجوار البيت)

هي:

إني قلقة بعض الشيء 

لكن الأمر يبدو مختلفا قليلا

 ليس هكذا توقعتُ
أنني  فجأة سأكون
مرعوبة.

2.

كانط

اسمي فريدريك. وأنا في الثامنة من عمري.

قبل قليل فكرت في الكون.

الكون، شيء لا أستطيع فهمه.

لا أستطيع أن أفهم

كيف يمكن أن يكون لا نهائيا،

لأن لكل شيء نهاية، ولكل شيء حدّ،

في مكان ما أو في مكان آخر.

ولكن إذا كان للكون نهاية،

ماذا هناك بعد المكان

إلى أين ينتهي؟ ربما إلى لا شيء،

ولكن ما هو هذا اللاشيء؟

إن لا شيء لا يمكن أن يكون شيئا، أليس كذلك؟

لا أفهم،

وأفكر طوال الوقت في الكون.

لهذا السبب أريد أن أتّصل بوالدي.

يجب أن أطرح عليه أسئلة حول الكون.


3.

أرق

كان أسلي وأليدا يسيران في شوارع بيورجفين، أسلي يحمل رزمتين تحتويان كل ما يملكانه، في يده حقيبة الكمان الذي ورثه عن والده سيغفالد، بينما كانت أليدا تحمل كيسَيْ بقالة، وكانا يتجولان في شوارع بيورجفين لعدة ساعات بحثا عن غرفة، لكن لم تكن هناك طريقة للعثور على غرفة للإيجار؛ لا، قال الناس، ليس لدينا غرفة للإيجار، لا، قال الناس، كل ما لدينا مستأجر بالفعل، هذا ما قاله الناس، ورأى أسلي وأليدا نفسيهما مضطرين إلى مواصلة التجوال في الشوارع وطرق الأبواب،  يسألان إذا كان بالإمكان استئجار غرفة، ولكن لم يكن هناك مكان للإيجار، وأين يذهبان، وأين يحتميان من البرد والظلام في نهاية هذا الخريف، ربما في مكان ما سيجدان غرفة للإيجار، ولحسن الحظ لم تكن السماء تمطر، ولكن من المحتمل أن يهطل المطر قريبا ولن يتمكنا من الاستمرار في التجوال بهذه الطريقة، ولماذا يرفض الناس استضافتهما، هل ذلك بسبب أليدا التي بدا واضحا أنها ستلد قريبا ، هي مسألة أيام فقط، أو لأنهما لم يكونا متزوجين ولا يشكلان زوجا شرعيا، ومع ذلك، هذا لم يكن مكتوبا على وجهيهما، بالطبع لا، أو ربما كان مكتوبا بالفعل، لأنه إذا كان الناس لا يريدون استضافتهما فلا بد من أن يكون هناك سبب، ومع ذلك، لم يكن رفض الزواج هو ما دفع أسلي وأليدا إلى الاستمرار دون مباركة القس، فكيف كان بإمكانهما العثور على فرصة أو وقت للزواج،  وهما قد بلغا للتو السابعة عشرة ولم تكن لديهما الوسائل اللازمة للزواج بطريقة رسمية، ولكن بمجرد أن يتمكنا من ذلك، سيتزوجان أمام القس ويقيمان حفلة عليها رئيس، مع موسيقيين وكل ما يلزم، فقط لم يكن الأمر ممكنا على الفور، لا بد من الانتظار، وعلى أي حال كانا سعيدين كما هما، ولكن لماذا رفضوا استضافتهما، وما التهم الموجهة إليهما، ربما يساعدهما في ذلك التفكير بأن القس باركهما، لأنهما إذا ظنا ذلك بأنفسهما، فلن يلاحظ الناس بسهولة أنهما يعيشان في الخطيئة، والآن طرقا العديد من الأبواب وسألا الكثير من الناس عما إذا كان بالإمكان استئجار غرفة ولم يقبل أحد بذلك ولا يمكنهما الاستمرار في التجوال بهذه الطريقة، كان الليل قد أرخى سدوله، والوقت متأخرا في الخريف، وكان الظلام قد انتشر، وسرعان ما سيهطل المطر بالتأكيد.

4.

يوم صيفي

الشابة:
لا، لا أحب العيش في البحر

أسلي:
نعم، أعرف
(صمت)
الشابة:

ولكن أنت

عليك فقط أن تذهب

أسلي:

  إذن نعم، سأذهب

 الشابة:

 نعم، تفضّل

صمت قصير

سوف يطول الأمر

أسلي:

لا، لن يطول

يومئ إلى الشابة، ويخرج من جهة اليمين، لكنه يعود ويقبلها (...)

5.

حلم خريف- الأيام تمرّ

الرجل:
كل شيء لعِب


المرأة:
وكل شيء جدِّي


الرجل:
كل شيء لعِبٌ جدّي


المرأة:
ها أنت تتفوّق على نفسك.

6.

أنا الريح

الأول:
هذه مجرد أشياء نقولها

الآخر:
نعم

الأول:
نعم
(صمت قصير جدا)
نعم
(صمت قصير جدا)
نعم لا وجود له
(صمت قصير جد)ا
نحاول أن نقول شيئا
من خلال قول شيء آخر

الآخر:
لأننا لا نعرف أن نقول

كيف يكون حقا
 

الأول:
نعم
(صمت قصير جدا)
نعم بالطبع
(صمت قصير)

الآخر:
لا تخرج سوى كلمات

الأول:
كلمات وكلمات

(صمت)


7.

كآبة I

أنا مستلق على السرير، أرتدي بدلتي المخملية الأرجوانية، بدلتي الجميلة، ولا أريد مقابلة هانز جود. لا أريد أن أسمع هانز جود يقول إنه لا يحب لوحاتي. أريد فقط البقاء في السرير. اليوم لا أستطيع تحمل رؤية هانز جود. لأنه ماذا لو لم تعجب هانز جود اللوحة التي أرسم، ماذا لو اعتقد أنها سيئة، سيئة بشكل محرج، ماذا لو جعله ذلك يعتقد أنني لا أستطيع الرسم في نهاية الأمر، ماذا لو مرّر هانز جود أصابعه الرقيقة على لحيته ونظر إليّ مباشرة بعينيه الضيقتين وقال إنني لا أستطيع الرسم، وإن ليس لدي عمل في أكاديمية دوسلدورف للفنون، أو أي أكاديمية أخرى للفنون أيضا بحسب رأيه، ماذا لو قال هانز جود إنني لن أكون رساما أبدا. لا أستطيع أن أدع هانز جود يخبرني بذلك. يجب أن أبقى في السرير، لأن هانز جود سيأتي إلى الاستوديو اليوم، الاستوديو في العلية حيث نقف في صفوف مثالية ونرسم، سينتقل من لوحة إلى أخرى ويقول ما يفكر فيه بخصوص كل واحدة وبعد ذلك سوف ينظر إلى لوحتي أيضا ويقول شيئا عنها. لا أريد أن أرى هانز جود. لأنني أستطيع الرسم. ويمكن لجود أن يرسم. وتيدمان يستطيع الرسم. أستطيع أن أرسم. لا أحد يستطيع الرسم مثلي، باستثناء جود. تيدمان أيضا. واليوم سوف ينظر جود إلى لوحتي، لكنني لن أكون هناك، سأكون مستلقيا على السرير، وأحدق إلى الأمام مباشرة، إلى النافذة، أريد فقط الاستلقاء على سريري في بدلتي الأرجوانية، جميلتي، يا بدلتي الجميلة. لا أريد سوى الاستلقاء هنا والاستماع إلى الأصوات القادمة من الشارع. لا أريد الصعود إلى الاستوديو. أريد فقط أن أستلقي على السرير. لا أريد أن أرى هانز جود. أنا مستلق على السرير، ساقاي متقاطعتان، أستلقي على السرير مرتديا بدلتي المخملية الأرجوانية بالكامل، وأحدق إلى الأمام مباشرة. لن أذهب إلى الاستوديو اليوم. وفي غرفة أخرى هنا في الشقة رقم 14 توجد عزيزتي هيلين، ربما في غرفة نومها، أو ربما في غرفة المعيشة. عزيزتي هيلين موجودة في الشقة أيضا. سحبت حقائبي عبر القاعة وأطلعتني السيدة فينكلمان على الغرفة وقالت إنني سأعيش هنا. وسألتني ما إذا كنت أحببت الغرفة فقلت نعم لأنها كانت غرفة جميلة جدا جدا، وربما لم أسكن في مثل هذه الغرفة الجميلة طيلة حياتي. وبعد ذلك، كانت هناك هيلين. واقفة بفستانها الأبيض. هناك، وقفت هيلين بشعرها الشاحب، المموج، على الرغم من تثبيته بإحكام، هناك، وفمها الصغير فوق ذقنها الصغير. وهناك وقفت هيلين بعينيها الكبيرتين. وقفت هيلين هناك ونظرت إليّ بعينيها. حبيبتي هيلين. أنا مستلق على السرير في غرفتي وفي مكان ما في هذه الشقة بالذات تتجول هيلين بعينيها الجميلتين المتلألئتين. أستلقي على السرير وأنصت، هل يمكنني سماع خطواتها؟ أم ربما هيلين ليست في الشقة؟ وعمّك اللعين، هيلين. يا هيلين، هل تسمعينني؟ هذا اللعين السيد وينكلمان. كنت مستلقيا هنا على السرير مرتديا بدلتي المخملية الأرجوانية وسمعت طرقا على باب غرفتي، كنت مستلقيا على السرير مرتديا بدلتي الأرجوانية ولم يكن لدي الوقت حتى للنهوض، ثم فُتح الباب وهناك على المدخل وقف السيد وينكلمان، بلحيته السوداء، وعينيه السوداوين، وبطنه السمينة منحشرة بإحكام تحت صدريته. ونظر السيد فينكلمان إليّ ولم يقل كلمة واحدة. نهضت من السرير، وقفت، وخطوت عبر الغرفة. وقفت أمام السيد فينكلمان ومددت يدي إليه، لكنه لم يمسك بيدي. وقفت هناك ومددت يدي إلى السيد فينكلمان لكنه لم يأخذها. نظرت إلى الأسفل، إلى الأرض. وقال السيد فينكلمان إنه شقيق السيدة فينكلمان، السيد فينكلمان. ونظر إليّ بعينيه السوداوين. ثم استدار وغادر وأغلق الباب خلفه. عمّك يا هيلين. أنا مستلق على السرير مرتديا بدلتي المخملية الأرجوانية وأسترق السمع، هل يمكنني سماعك؟ خطواتك؟ أنفاسك؟ هل يمكنني سماع أنفاسك؟ أنا مستلقٍ في غرفتي على السرير، بكامل ملابسي، وساقاي متقاطعتان، وأنصت، هل يمكنني سماع خطواتك؟ هل أنت هناك في الشقة؟ وغليوني مستلق على المنضدة. أين أنت يا هيلين؟ آخذ الغليون من المنضدة، أشعله. أستلقي على السرير مرتديا بدلتي، بدلتي المخملية الأرجوانية، وأدخن غليوني. اليوم سوف ينظر هانز جود إلى الصورة التي أرسمها ولكني أخشى أن أسمع ما سيقوله عنها، أفضّل الاستلقاء على السرير والاستماع إليك يا هيلين. لا أريد مغادرة البيت. لأنني الآن رسام. الآن أنا لارس هيرترفيج، الرسام، أدرس في دوسلدورف، وهانز جود هو الطالب الشهير. أنا أستأجر غرفة في شارع هاريغوف. لست شخصا سيئا. أنا شاب من ستافنجر، نعم شاب من ستافنجر يقيم في دوسلدورف! شاب يتعلّم أن يكون رساما. لدي الآن ملابس فاخرة، بدلة أرجوانية مخملية حصلت عليها، الآن أنا رسام، أنا، نعم أنا رسام، مجرد طفل، طفل شوارع، طفل فقير...

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر