- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
في كتابها “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” درست المؤرّخة والباحثة الروسية “إيلينا جولوبوفسكايا” الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اليمنية وتفاعلاتها قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وتتبّعت تاريخ الأحزاب السياسية الأولى وتقييم دورها، وانتشار الأفكار الثورية وأثرها في بلورة القوى المعارضة للإمامة، وكذا الإعداد لثورة 1962م، وبحثت الاجراءات السياسية للحكومة الجمهورية داخليًا وخارجيًا في الأشهر الأولى لقيام الثورة.
ويعد كتاب “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” للمؤرّخة والباحثة الروسية “إيلينا جولوبوفسكايا من الأبحاث القليلة التي تناولت بالتفصيل الدقيق والكثيف أوضاع المجتمع اليمني وتطوره وتفاعلاته قبل ثورة 26 سبتمبر، وصدرت طبعته الأولى عام 1971م، عن دار ابن خلدون.
اعتمدت المؤلفة، وفق ما ذكرته في التمهيد، على “مصادر وأدبيات وصحف دورية باللغات العربية والروسية والانجليزية والفرنسية”، وعلى “الملاحظات الشخصية” ومعلومات حصلت عليها من “الأحاديث” مع يمنيين، وكذا مواد جمعتها أثناء تواجدها في اليمن أعوام 1961- 1962م. إضافة إلى استعانتها بالطلبة اليمنيين الدارسين في الاتحاد السوفيتي لتوضيح بعض الأمور.
اقتصاد إقطاعي
خصصت الباحثة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا، وهي مهتمّة بشأن اليمن، الباب الأول لتناول “التركيب الاقتصادي لليمن قبل ثورة 26 سبتمبر”، والذي اتسم بأسلوب “الانتاج الاقطاعي”.
واعتبرت سياسة عزل البلاد عن العالم الخارجي التي انتهجها الإمام “من أسباب عدم تطور العلاقات الرأسمالية”. مؤكدة أن سياسة العزل التي اتخذت “في البداية طابعاً سياسياً موجهاً نحو منع انتشار الأفكار التقدمية، مورست في الجانب الاقتصادي أيضاً”.
زراعة بدائية
قبل ثورة 26 سبتمبر، عاش نحو 90% من سكان اليمن في الريف، ويعملون في الزراعة والرعي والصيد.
وعن أسلوب الزراعة، تقول الباحثة إنه ظل “كما في العصور القديمة؛ أي بأدوات الإنتاج البدائية كالمحراث والمنجل والعصا الطويلة.. إلخ، وباستعمال السماد العضوي.
وكانت المنتجات الزراعية الأساسية هي الحبوب والفواكه، وكلها تستعمل لسد الطلب المحلي، وتعد الذرة الغذاء الأساسي للسكان؛ وتحتل 90% من نسبة الحبوب المزروعة، وأما المحاصيل الثانوية فهي (البن والقات والقطن).
ويأتي البن أولاً من حيث التصدير. وقبل الحرب العالمية الثانية، انخفض بشكل كبير جداً ليس لكلفة إنتاجه فقط، بل وعوامل أخرى منها “شروط التأجير والديون الثقيلة على الفلاحين سنوياً”.
فقد كان الفلاح يسلم 3/2 أرباع المحصول للمالك. فيما يشتري ما تبقى لديه وكلاء المصدرين المشتركين مع العائلة الحاكمة المحتكرين للبن، وهم الذين يقدرون ثمن البن الخاص بالفلاحين.
مدن القرون الوسطى
رغم التطور العمراني والتجاري والصناعي الذي كان يشهده العالم حينها، إلا أن المدن اليمنية في عهد الإمامة ظلّت “محتفظة بمظاهر العهود الإقطاعية المثقلة بالبؤس والتخلف”.
وتبيّن الدراسة انخفاض سكّان المدن قبل الثورة بشكل كبير جداً مقارنة بالأرياف، إذ بلغ عددهم ٥٤۰- ۸۱۰ ألف نسمة بنسبة 10- 15٪ من إجمالي سكان البلاد. وقد مارسوا الحرف وإنتاج بعض الغلات الزراعية، واعتمد الصناع الصغار على عملهم اليدوي بالأساس.
وحول هذه المهنة، قالت المؤرخة الروسية: “لقد ورثت الحرف المدنية اقتصاد مدن القرون الوسطى”.
وعن الأسواق التجارية، قالت إنها “تذكّر بالعهود الاقطاعية، إذ يحمل الفلاح إلى المدينة المحصول الذي أنتجه في مزرعته ويبادله بحاجته من المواد الحرفية الضرورية له”.
وإجمالاً، كانت التجارة الداخلية حتى بعد الحرب العالمية “ضعيفة النمو للغاية”. وكان “نادرًا ما يبيع الفلاح محصوله بالنقود والتي كانت ضرورية للفلاح لدفع الديون للإقطاعي والمرابي”.
ملكيّة خاصة
وعن المؤسسات التي وجدت قبل الثورة، تقول إيلينا جولوبوفسكايا، إن أغلبها كانت “ملكاً للإمام”، وأنشئت بمساعدة الأخصائيين الأجانب والمعدات الأجنبية.
وذكت منها معمل صنع الذخيرة والغزل والنسيج بصنعاء، الذي بناه الإيطاليون في العشرينات، بمعدات إنكليزية، “غير أنه لم يعمل في آخر العهد الملكي”.
رغم التطور العمراني والتجاري والصناعي الذي كان يشهده العالم حينها، إلا أن المدن اليمنية في عهد الإمامة ظلّت “محتفظة بمظاهر العهود الإقطاعية المثقلة بالبؤس والتخلف، وتسلم بيت حميد الدين قيادة البلاد حال دون قيام صناعة وطنية.
وكذا معمل الغزل والنسيج في باجل، الذي جهزته فرنسا عام ١٩٥٧م، ولم يتشغل يومًا واحدًا “لأن أعضاء الأسرة المالكة وكبار تجار التصدير احتكروا التجارة الخارجية، وفجأة عرفوا أن تجارة تصدير القطن تعطيهم نصيباً وافراً من الأرباح، أفضل من إنتاج قطع الأقمشة القطنية”.
وبشأن الكهرباء، نقلت الباحثة، ما دوّنه عضو البعثة العسكرية العراقية محمد حسن، الذي زار اليمن عام ١٩٣٩م قائلاً: إن اليمنيين لا يشغلون الكهرباء بالمرة، وكان في صنعاء محول كهربائي في قصر الإمام يحيى فقط (دار الشكر ودار السعادة ولدى بعض الأمراء)”.
وفيما يتعلق بالصناعات الاستخراجية، فإنه رغم امتلاك اليمن احتياطياً من الثروة المعدنية إلا أنها “لم تحصل على تطوير مستمر، شأنها في ذلك شأن الصناعة التحويلية”، وفق الباحثة.
النظام النقدي السري
كان الريال هو العملة النقدية في المملكة المتوكلية. وقد وُضع بأوروبا ونقش في صنعاء بقصر الإمام الذي “وضعت فيه الخزينة”.
وحول العملية النقدية والرقابة، قالت الباحثة الروسية: “لم تقم حكومة الإمام بمراقبة العملية النقدية بسبب غياب البنك”. مضيفة أنه “كان لا يوجد فرق بين خزينة الدولة وخزينة الإمام”. وبصرف النظر عن وجود منصب المالية، “فالذي يتصرف بالخزينة هو الإمام وحدة فقط، وبدون رقيب”.
ولم توجد ميزانية دولة في عهد الإمام. ووفقاً للباحثة فقد “اعتبر الدخل السنوي العام والمصروفات من الأسرار الحكومية”.
مسلسل الجبايات
وأما النظام الضرائبي، فوصفته الباحثة بأنه “معقد” وقائم على مقادير ارتجالية تؤخذ “عيناً أو نقداً”. ورصدت نحو 20 نوعاً من الجبايات التي فرضها الإمام بأسماء زكوات وجمارك وضرائب.
فإلى جانب الزكوات التي يتم تقديريها عن طريق عمال الامام، فرض الإمام ضرائب إضافية على رأس الغنم 2.5 بقشة، وعلى البقرة ١٠ بقش، وعلى كل جمل- إذا لم يستخدم في المواصلات- ريال واحد، وإذا استخدم يكون ٢,٥ ريال.
ووفقاً للباحثة، فقد ارتفع مقدار الضرائب التقليدية منذ زمن الإمام يحيى، إذ كان يضاف إلى الضرائب المفروضة على الفلاحين 10%، و5% من ناتج المحاصيل الزراعية. وأيضاً 3% تؤخذ لصالح مسميات أخرى منها “نفقات الضيوف” (حق الضيافة).
تنقل الباحثة الروسية في كتابها “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” صورة تعكس تشابه الوضع القائم حاليا في صنعاء، حيث فرض الامام أكثر من 20 نوعا من الجبايات غير الزكوات، وصلت إلى حد فرض مبلغ ريال “مارتريزا” على الجمل القاعد و 2.5 ريال على الجمل العامل.
وإلى ذلك، فرض الامام على الفلاح دفع (خوة) لعمال الإمام الكثر الذين يقومون بجمع الضرائب.
وأما الرسوم الجمركية، فمنها ضرائب المصدر إلى الخارج بواقع 10% من قيمة الصادرات كالحبوب والدهن وغيرها. كما يؤخذ 25% من قيمتها عند بيعها من قبل متوسطي وصغار التجار.
وإذا ورّد التاجر البضاعة عبر الحديدة يدفع 3% من هذا المبلغ حسب الرسوم وجمع الضرائب مرة أخرى. وإضافة إلى هذا يدفع التجّار ضرائب إضافية تذهب لنفقات الجمارك.
وفرض الامام على البضائع المستوردة ضرائب إضافية باسم “الخدمة الاجتماعية” وبمبلغ: 4 بقش من كل ريال، منها بقشة باسم الضيوف.
وتضاف إلى رسوم الدخول (5 بقش على كل رزمة). وضرائب صحة 2.5 بقشة من كل بالة. وحماية جمركية 5 بقش على الرزمة.
وفرضت ضرائب على سيارات المواصلات “الأخماس” ويدفع مالك السيارة 18 ريالاً على السيارة، مع إضافة 4 بقش على كل ريال. وأما مالك السيارة المريحة فيدفع 9 ريالات، إضافة إلى 4 بقش على كل ريال يستلمه من الركاب.
وفرضت أيضاً ضرائب (عودة) يحصل بموجبها الإمام على 10% من قيمة أية بضاعة تباع، كما فرضت رسوم جمركية داخلية على البضائع التي تنقل من محافظة إلى أخرى.
وإضافة إلى ذلك، دخلت الخزينة عام 1950م جزية على اليهود. وشملت الضرائب تحويلات لمهاجرين اليمنيين النقدية لعائلاتهم بواقع١٠% من كل مبلغ محول، وبلغت هذه التحويلات عام ١٩٥٩م ثلاثة ملايين دولار.
ويؤكد تحليل التركيب الاقتصادي أن “سياسة الإمام اتجهت للمحافظة على الأنماط التقليدية من أجل الحفاظ على جمود حياة البلاد”، وفقاً للباحثة.
*الباب الثاني من الكتاب*
أفردت المؤرخة والباحثة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا، الباب الثاني في كتابها “ثورة 26 سبتمبر في اليمن” لدراسة التركيب الاجتماعي للمجتمع اليمني قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وكان النمط الإقطاعي سائداً بعهد الإمامة. وقد نوّهت مجلة “إفريقيا جون” بأن “اليمن لا يزال في ستينيات القرن العشرين هو آخر بلدان العالم تحكمه سلطة مطلقة من كبار الإقطاعيين”.
بلغ عدد سكان اليمن، حينها، نحو 4.5 مليون نسمة، منهم 80-85% يمتهنون الزراعة والرعي. وتشكّل القبائل حوالي 85% من إجمالي السكان.
جذور الإقطاع
تطرقت الباحثة، إلى بداية ظهور الإمامة في اليمن، وتحديداً في القرن التاسع الميلادي، بمنطقة صعدة، على يد مؤسسها الأول يحيى الرسي. وأصبحت سلالته، بما فيها أسرة حميد الدين، ترى أنها “وريثة للحضارة الحميرية”.
تقول الباحثة الروسية إن “الإمامة جمعت سلطة الأئمة الدينية والسياسية، التي حددت العلاقات الاجتماعية ونظمت الحياة الخاصة والعامة لليمنيين”. مضيفة أن حوالي 6 آلاف أسرة من السادة ممن ارتبطوا بالأئمة بقرابة الدم أو المصاهرة، استطاعوا “الادعاء بمقام ومنصب الإمام”.
وهؤلاء، وفق الباحثة، هم “كبار الإقطاعيين الذين يمثّلون ارستقراطية اليمن. وكان الإمام يعينهم في المناصب الدينية والحكومية الرفيعة. وكانوا يمثلون القمة الحاكمة والمتنفذة، والركيزة الاجتماعية للنظام الملكي وحاملي الأفكار الأكثر إغراقاً في الرجعية والجمود الديني”.
طبقية
تناولت أيضاً النظام الاجتماعي والطبقي حينها. ونقلت قول العطار، بوجود 6 طبقات وفئات اجتماعية بالمجتمع اليمني: السادة، شيوخ القبائل، التجار والحرفيون، الفلاحون، العبيد، الأخدام.
وترى الباحثة أن القول بتجانس فئة السادة أمر “غير واقعي”. موهة بظهور “عدم المساواة السياسية والمادية، بل وحتى الدينية” في أوساط هذه الفئة منتصف القرن العشرين.
مع تزايد السخط الشعبي، لجأ الأئمة لوسائل مختلفة للحفاظ على سلطتهم وتقويتها. ومنها دفع مساعدات سنوية للمشائخ والزواج من بنات كبار المشائخ. وكذا تعميم نظام الرهائن لقمع الحركات الانفصالية المنفردة للمشائخ”.
وحينها، قالت إن التركيب الاجتماعي لليمن اتسم “بطابع معقد؛ استوجبه اقتصاد البلاد متعدد الأنماط وتشابك العلاقات الطبقية والسلالية والعادات والتقاليد”.
الإمامة وإخضاع القبائل
ابتداء من العشرينات، انتهج “الإمام يحيى، سياسة إخضاع القبائل للسلطة المركزية”. وأصبح هو من يصادق على منصب الشيخ، وهو من يعين موظفين وحكام شرعيين في القبيلة.
ووفقاً للباحثة إيلينا جولوبوفسكايا، فإن “القبائل قاومت هذه السياسة، غير أن الكثير منها اعترفت بسلطة الإمام وخضعت لها أواخر العشرينيات”.
عملياً، كانت حياة القبائل تنظمها “القوانين والأعراف القبلية التي حافظت عليها بصرامة”. وقد “ساعد استقلال القبائل في الحفاظ على هذه القوانين والأعراف المتبعة منذ العصور الغابرة”.
وبداية القرن العشرين، حاول الإمام يحيى، تغيير هذه القوانين إلا أن محاولته “لم يكتب لها النجاح، إذ استمر المشايخ الذين عينهم بنشاطهم وفقاً للقوانين المحلية للقبائل”.
ووفقاً للمؤرخة الروسية، فقد حاولوا بذلك “إظهار عدم الرضا في أوساط أبناء قبائلهم من جهة، وتطلعوا إلى الاستقلال عن السلطة المركزية من جهة أخرى”.
سلطة إقطاعية
وعن ملكية الأرض، تقول الباحثة الروسية، إنها كانت “تحافظ على الملامح الإقطاعية”. فالإمام هو المالك الأعلى للأرض. ولم تنفصل أراضيه عن أراضي الدولة (بيت المال). وهو ما يوضح “السمة الأوتوقراطية للحكم، حيث جسّد الإمام الدولة بشخصه”.
وذكرت أربعة أنواع لملكية الأرض: الأملاك السعيدة، والملكية الخاصة، والوقف، الأراضي الجماعية.
والأملاك السعيدة، هي أراضي الإمام وأبنائه. وجزء منها الأراضي التي صادرها من خصومه السياسيين. فيما تضم الملكية الخاصة، أملاك الإقطاعيين والفلاحين الصغار.
ويذهب دخل أراضي الوقف المقدرة بنحو 12% من الأراضي المزروعة، إلى “يد الصفوة الدينية” ويشرف عليها عمال الإمام بكل المناطق ويجمعون محصولها من الفلاحين المستأجرين لها.
بحسب الباحثة الروسية الكثير من “السادة” كانوا في السنوات الأولى لقيام المملكة المتوكيلة لا يملكون الثروات التي امتلكوها خلال الأربعين سنة التي حكموا فيها البلاد. وكان الإمام يحيى نفسه حتى بداية حكمة لا يملك الكثير من الضياع”.
وتقول الباحثة إن أسرة حميد الدين، تمثّل “الفئة العليا من الملاك الإقطاعيين”. وقد امتلك الإمام أراض كثيرة في تهامة والجوف ومناطق صنعاء وتعز وإب وحجة وصعدة وغيرها.
السخرة
ويختلف أسلوب استغلال الأرض “باختلاف الملّاك”. فمثلاً كان الجنود يقومون بزراعة أراضي الإمام غير المؤجرة. كما كان الجنود يحرثون مزرعة الأمير البدر جنوب صنعاء، وكانت أدوات الحراثة والجرارات والمحروقات وأدوات العمل ووسائل الإنتاج من ممتلكات الدولة.
وبحسب الباحثة، فقد كان “يباع المحصول بالسعر الذي يحدده البدر، ولم يدفع مقابل العمل للعسكر، بزعم أنهم يستلمون مرتبات الخدمة العسكرية”.
وتضيف: كانت أراضي أعضاء الأسرة المالكة والوقف تحرث من قبل المزارعين تحت رقابة عمال الإمام. وعلى هذه القاعدة نظمت زراعة عائلة الإمام.
ووفقاً للباحثة فقد “استخدم هذا النظام في حراثة أراضي الملاك الإقطاعيين حتى قيام ثورة 26 سبتمبر. وهكذا انتشرت بشكل واسع السخرة التي يجب أن يكتوي الفلاحون والجنود بها على السواء”.
نهب جائر
كان الفلاحون يثقلون بالضرائب والإتاوات الجائرة ويجبرون على تسليمها وأدائها. ووفق الباحثة، فقد “رافق تحديد مقادير الزكاة وجبايتها جميع أنواع التعسف، إذ لم يسمح بتأخير دفع الضرائب.
واستعرضت أساليب الإمامة التصعيدية والقاسية لإجبار الفلاحين على دفع الزكاة، والتي رافقها “أنواع من الإرغام، وكمية كبيرة من الإتاوات المفروضة”. ومنها: التنافيذ، والبقايا والخطاط.
وفي التنافيذ، يتوجه عسكري أو أكثر إلى منزل الفلاح المتأخر عن الدفع ويفرض عليه توفير غذائهم ونفقات سفرهم وقد يبقون لفترة طويلة.
والبقايا، يبقى عسكري أو مجموعة بمنزل الفلاح حتى يسلم الزكاة، ويلزم بتوفير معيشتهم مدة بقائهم، ويدفع أجرتهم. وكان ذلك، وفق الباحثة، “مما يزيد تردي أوضاع الأسر الفلاحية”.
ويعد الخطاط، أعلى إجراء لانتزاع الضرائب من الفلاحين، إذ يعطي العسكر الفرصة لنهب القرية المتخلفة عن الدفع. ويقوم أصحاب البيوت بدفع النقود للعسكر وإعاشتهم.
وبعد أن يسلم الفلاح الضرائب للسلطة والإقطاعي والمرابي، يبقى دخله 2/10 من كل ما أنتجه.
ويصف باذيب، طرق الإمامة لتقدير وجباية الضرائب بأنها “شيئاً خارجاً على كل شريعة وكل عرف سليم أمراً لا يطاق بالنسبة للفلاحين الذين لم يكن أمامهم سوى الهروب من الأرض إلى الخارج أو الموت جوعاً”.
الإمام وطغمة السادة!
جمع الإمام جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ونظر بمفردة بجميع المسائل الصغيرة والكبيرة. ومنذ 1918م وحتى قيام الثورة كان يشكّل الحكومة من أقربائه والمقربين.
وعن العلاقات الاجتماعية، تقول الباحثة: كان كثير ممن يدخلون ضمن طغمة السادة حتى قيام الثورة من كبار الإقطاعيين (ملاك الأراضي وكبار ممثلي البرجوازية التجارية والمرابين). وغالباً، كان الإمام يعين مسؤولي الألوية والقضاة من كبار الإقطاعيين. ويتولون جباية الضرائب للإمام.
يعد “الخطاط” أعلى إجراء لانتزاع الضرائب من الفلاحين، إذ يعطي العسكر الفرصة لنهب القرية المتخلفة عن الدفع. ويقوم أصحاب البيوت بدفع النقود للعسكر وإعاشتهم، وبعد أن يسلم الفلاح الضرائب للسلطة والإقطاعي والمرابي، يبقى دخله 2/10 من كل ما أنتجه.”
وتضيف: لم يكن في أيادي الاقطاعيين المراكز الاقتصادية فقط، بل وحياة البلاد السياسية وهم حاملو أكثر الأفكار رجعية وجحوداً دينياً. وكانوا معارضين لأي إصلاحات في الحياة اليمنية.
مضيفة أن الكثير منهم كانوا في السنوات الأولى لقيام المملكة المتوكيلة لا يملكون الثروات التي امتلكوها خلال الأربعين سنة التي حكموا فيها البلاد. وكان الإمام يحيى نفسه حتى بداية حكمة لا يملك الكثير من الضياع”.
إرهاصات الثورة
ومع تزايد السخط الشعبي، لجأ الأئمة لوسائل مختلفة للحفاظ على سلطتهم وتقويتها. ومنها دفع مساعدات سنوية للمشائخ والزواج من بنات كبار المشائخ. وكذا تعميم نظام الرهائن لقمع الحركات الانفصالية المنفردة للمشائخ”.
وحتى نهاية الخمسينات، بلغ عدد الرهائن نحو ألفي رهينة. وكانت نفقاتهم على حساب قبائلهم. وعاش معظمهم ظروفًا قاسية من ناحية الغذاء والملابس؛ فأصيب كثير منهم بأمراض مزمنة.
وأيضاً استخدم الإمام العداء بين القبائل. ووسع وأنصاره الخلافات القديمة بين القبائل، فحرضوا القبائل القوية منها على الضعيفة، وأشعلوا نيران الفتن بين مشائخ القبيلة الواحدة.
في السنوات الأخيرة للحكم الإمامي، تقول الباحثة: وجدت سياسة الإمام وطغمة السادة نفسها في تعارض كبير مع المتطلبات الحيوية للمجتمع اليمني. كما “أدى النظام الإقطاعي المحافظ عليه اصطناعياً في البلاد إلى استياء السواد الأعظم من سكان المجتمع اليمني”.
ولهذا تطلع “المجتمع اليمني إلى اجتثاث سلطة الأئمة الأوتوقراطية الإقطاعية وطغمة السادة، التي أعاقت تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية وأبقت البلاد في مستوى البلدان الأكثر تخلفاً”.
*الباب الثالث*
وفي الباب الثالث من كتابها، تناولت الكاتبة والباحثة الروسية، الوضع السياسي اليمني قبل اندلاع ثورة 26 سبتمبر عام 1962م.
*نواة الثورة*
بداية الثلاثينات، ظهرت أول جماعة تدعو للإصلاحات التقدمية في اليمن أسسها الحاج "محمد المحلوي" والشيخ "حسن الدعيس".
وتجمع حولهما كل الرافضين لسياسة الإمام. ووقفوا جميعاً ضد "امتيازات الأسرة الحاكمة وطغمة السادة"، فيما بدأ الإمام بتعقب هؤلاء الأحرار واعتقالهم والتنكيل بهم. وأول من تعرض للاعتقال والتعذيب في صنعاء وذمار؛ أحمد المطاع وجغمان.
*تحول نوعي*
شهد النصف الثاني من الثلاثينات، تحوّلاً في مسيرة الأحرار من الناحية التنظيمية، فبدلا من احتجاجات أشخاص ساخطين على سياسة الإمام إلى الجمعيات الأدبية.
ولدور الكلمة في التحرر، أنشأ الشباب الأحرار في العام 1936 جمعيات أدبية بصنعاء وتعز، وبدأوا "بانتقاد السلطة غير المحدودة للإمام، ونظام جباية الضرائب والتمييز"، وبعدها أصدر المثقفون الأحرار مجلة "الحكمة"، صدرت شهريًا لثلاث سنوات (١٩٣٨- ١٩٤١م)، وازداد المتعاونون معها عام ۱۹۳۹م.
وحينما أغلقها الإمام، بادر الزبيري والخالدي لإنشاء جمعية "الأمر المعروف والنهي عن المنكر"، إلا أن الإمام أحلها بعد سنة وأرسل مؤسسيها إلى السجن.
ناقشت الحكمة، للمرّة الأولى، مسائل سياسية هامة، منها تاريخ نشوء الدولة ذات النظام الدستوري، ومواد متعلقة بإصدار دستور في اليمن.
وترى الباحثة الروسية، أن "انعكاس هذه القضايا في مطبوعات حينها خطوة سياسية هامة في تطور حركة المعارضة في البلاد".
ونهاية الثلاثينات تجاوزت مطالب الأحرار "تقليص سلطات الإمام وإصدار دستور" إلى المطالبة بالحريات الديمقراطية، الحرية "للشعب".
*عدن ساحة الأحرار*
في الأربعينات تراجع نشاط الأحرار بسبب تزايد القمع، الذي اضطرهم للنزوح إلى تعز ومنها إلى عدن، وأصبحت عدن المركز الرئيس للأحرار.
تقول الباحثة الروسية: كانت عدن بالنسبة للأحرار اليمنيين جزءاً من "داخل اليمن"، إذ نظر إليها كأرض من أصل اليمن القديمة، وشعر فيها "كل يمني كأنه في صنعاء أو تعز أو إب".
ووصل إلى عدن طلائع الأحرار برئاسة مطيع دماج، وتلاهم النعمان والزبيري. ومهد وصولهما للإعلان عن انعدام "أي أمل بأن يقوم الإمام يحيى وإبنه أحمد بتحقيق الإصلاحات".
وعام ١٩٤٤م، صاغ الأحرار برنامجًا موحدًا ضم المطالبة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية في البلاد، وإنهاء التفرقة الدينية، وإلغاء النظام القسري لتسليم الضرائب (الخطاط، التنافيذ، البقايا).
وشهدت التواهي في مدينة عدن عام ١٩٤٤م، أول مؤتمر للأحرار وتأسست فيه "الجمعية اليمنية الكبرى". وإنشاء أول هيئة تحرير لجريدة "صوت اليمن" التي صدرت لسنتين ونشرت آراء وبرامج الأحرار بانتظام.
*محاولات احتواء*
بعد اطلاع الإمام يحيى، على مطالب الأحرار المنشورة عبر "صوت اليمن" اقترح على النعمان والزبيري العودة إلى صنعاء لإجراء مباحثات بشأنها إلا أنهما رفضا ذلك بسبب "السجن المؤبد"، بعدها احتج إلى السلطات الإنكليزية في عدن، وطالبها بمنع نشاط "الأحرار".
وبداية ١٩٤٥م، أرسل ممثلاً عنه (حسين الحلالي)، للتفاوض مع الأحرار بشأن عودتهم، وتبعه بسرعة محمد الشامي، مستشار الإمام، إلا أنه لم يحالفهما النجاح.
وفي أبريل ١٩٤٦ وصل الأمير أحمد، إلى عدن محاولاً إقناع الأحرار بالعودة، متعهداً بإجراء إصلاح في البلاد. وانتهت بالفشل بعد 6 أسابيع من المحادثات مع الزبيري والنعمان.
*ضربة قاصمة*
في نوفمبر ١٩٤٦م وصل إلى عدن الابن التاسع للإمام يحيى، الأمير إبراهيم، معلناً انضمامه للأحرار، وأصبح رئيساً للحركة.
وعزز موقفه مكانة الجمعية الأحرار بين اليمنيين "وساعد بشكل كبير على تقويض سياسة الإمام" وفقاً للباحثة.
وبعدها صيغ "الميثاق الوطني المقدس" كمشروع دستور لليمن، وضم أهداف الأحرار ومطالبهم بتغيير نظام الإمامة "سلميًا" وإقامة حكم "على أساس العدالة والحرية والمساواة ونهوض البلاد".
*ثورة الدستور*
في ١٩٤٧م "فقد الأحرار في عدن الأمل بالإصلاح"، فأقاموا صلات مع بيت الوزير الطامح للسلطة. وتعهد لهم عبدالله الوزير، بالالتزام ببرنامج الأحرار الإصلاحي بعد ارتقائه العرش، وأيّد الأمير إبراهيم، جماعة الوزير في نضالهم ضد السلطة "واتفقوا مسبقاً على تركيب الحكومة الائتلافية القادمة".
وفي ١٧ فبراير ١٩٤٨م نجح مجموعة من الأحرار بقيادة الشيخ علي ناصر القردعي، باغتيال الإمام يحيى، بمنطقة حزيز. في حين فشل الفريق الآخر المكلف باغتيال الأمير أحمد في تعز بذات الطريقة.
وتمكّن الأمير أحمد، من الاستيلاء على الخزينة، ومغادرة تعز إلى حجّة عن طريق تهامة. وفي طريقه نحو صنعاء ادعى الإمامة لنفسه.
وفي صنعاء، توّج الوزير إماماً جديداً. وأعلن قيام مملكة دستورية برلمانية، وإلغاء نظام الجبايات. وعُقد أول اجتماع للبرلمان برئاسة الأمير إبراهيم، الذي عين رئيساً للوزراء.
وفي ١٤ مارس اجتاح الإمام أحمد، صنعاء برفقة أخويه الحسن والعباس، ومعه حشود القبائل الذين أباح لهم نهب المدينة. وهكذا خُلعت حكومة الوزير بعد ٢١ يوماً.
وانتهت الأحداث باعتقال عشرات الأحرار. وفي ١٦ مارس، اُعتقل الوزير، وسيق مع أنصاره إلى سجن حجة.
وبداية أبريل أُعدم ۳۱ رجلاً من قادة الحكومة الدستورية، وحكم على البقيّة بالسجن.
*إيجابيات وسلبيات*
من أسباب فشل ثورة 48م، وفق الباحثة، الخلافات بين آل الوزير والأحرار. فمنذ الأيام الأولى "بدأ الوزير بتنحية الأحرار من المناصب، وأخذ يسلمها لأنصاره المقربين".
لكن الكاتبة والباحثة الروسية، ترى في نفس الوقت، أن السبب الأساس "تخلف البلاد، وانعدام الطرقات الجيدة" التي تمكّن الأحرار من الحركة السريعة. إضافة إلى غياب الإمكانات اللازمة بيد الحكومة، وعجزها عن تحقيق وعودها كرفع مرتبات الموظفين والعسكريين. في الوقت الذي اشترى الأمير أحمد شيوخ قبائل واستمالهم إلى جانبه.
رغم هذا، تقول الباحثة إن إنشاء أول حكومة دستورية في اليمن، لعب "دورًا ضخمًا" في تطور الحياة السياسية اللاحقة. واصفة الحدث بأنه "انطلاقة كبرى لمختلف طبقات وفئات الشعب اليمني الاجتماعية". و"يختلف جوهريًا عن كل الأحداث والانتفاضات السابقة ضد السلطة".
وأضافت أنه أول فعل ثوري "حدد هدفه بخلع النظام الإقطاعي المستبد، وأول محاولة جادة في اليمن لتنظيم ثورة بالمفهوم العصري".
وأكدت أن أكبر خدمة قدمها الأحرار بهذا الفعل أنهم هزّوا "المعتقدات الشعبية بقداسة الأسرة ورسوخ سلطة الإمام، وأيقظوا لدى الشعب الشعور باستطاعته أن يقرر مصيره ويختار حكامه".
*عودة الرجعية*
استمر الإمام أحمد، بالفتك بالمعارضين "بقسوة". وملأ السجون حتى بالذين لا علاقة لهم بالثورة، وأصبح "ينفق من خزينة الدولة بحرية أكثر مما فعل والده الإمام يحيى".
وتصف الباحثة هذا المشهد قائلة: "انغمست الرجعية بأعمال القتل والزج بكثير من المعارضين في السجون، ولم يعد بمقدور الذين حالفهم الحظ في البقاء أن يعيدوا نشاطهم مجدداً لقلّتهم".
*العمل الثوري مجدداً*
كان لثورة ١٩٥٣م في مصر "صدى واسع في اليمن". فقد بدأ الأحرار في عدن بالنشاط مجدداً مطالبين بالدستور وحرية التجارة وإنهاء احتكار العائلة وإيجاد نظام سليم لجباية الضرائب وغيرها.
فيما وصل الزبيري إلى القاهرة، وفتح مكتباً للاتحاد اليمني، وأصدر مجموعة من الكراريس والمقالات، وأقام صلات مع كثير من الأحرار في السودان وإنكلترا وبلدان أخرى.
ومع ظهور شعور المعارضة في اليمن تحت تأثير هذه التطورات "فزع الإمام أحمد فقام بمنع بيع أجهزة الراديو، ومنع سماع الإذاعات في الأماكن العامة".
ومن أجل إضعاف هذا النشاط "قام بتنازلات" للأحرار. وكان هذا، وفق الباحثة الروسية، "تعبيراً عن أحد أساليب الإمام لإضعاف نشاط الأحرار، وكسب الوقت بخلافاته التي بدأت مع إخوته".
*حركة الثلايا*
تأزّم الوضع في اليمن عام 53م، فمن جهة أصبح اليمنيون في المدن يمدحون الأحرار وأفكارهم ويجاهرون "بنقد شديد لسلطة الإمام المستبدة التي أعاقت التقدم الاقتصادي والثقافي في البلاد"، ومن جهة أخرى أخذت الطموحات الفردية لوراثة العرش طابعاً أكثر حدّة.
وهنا أيد بعض الأحرار ترشيح البدر لولاية العهد آملين أن ينفذ مطالبهم الأساسية، فيما رأى العسكريون برئاسة المقدم أحمد الثلايا، أن موقف البدر سيكون شبيهاً بمواقف أبيه، وتلك الفترة، بلغ المقدم الثلايا، عن اعتزام الإمام أحمد، التخلّص منه و"الضباط الميؤوس منهم"، مستغلاً حادثة اشتباكات جرت بين الجنود وأهالي الحوبان بتعز.
هذا الأمر دفع الثلايا لتوجيه جنوده بمحاصرة الإمام أحمد في قصره بمدينة تعز ابتداءً من ۲۸ مارس 1955م، وطالبه بالتنازل عن العرش لأخيه عبدالله، وهو ما تم بالفعل، كما طالبوه بمغادرة البلاد إلى مصر إلا أنه رفض، وسانده الإمام الجديد (عبدالله) إذ رفض تعزيز الحراسة عليه أو نفيه وهو ما مكّن الإمام المخلوع، من خداع حراسة القصر والفرار.
وبعد إعادة سيطرته على الأمور، أصدر الامام احمد حكماً بإعدام الثلايا وأنصاره في ٦ أبريل، وأرسل أخويه عبدالله والعباس إلى سجن حجة، وأعدمهما هناك.
وبعيداً عن الفشل، تقول الباحثة، إن حركة الثلايا "حدثاً هاماً في حياة البلاد السياسية". باعتبارها أول "انتفاضة قام بها الجيش ضد نظام الإمامة المستبد".
*حراك شامل*
ضاعف الأحرار في القاهرة نشاطهم التوعوي، ومنها إصدار جريدة صوت اليمن، وإذاعة برنامج منتظم من صوت العرب، ونشر الكراريس، واشتركوا في المؤتمرات العربية.
بداية ۱۹٥٩م سافر الإمام أحمد للعلاج في إيطاليا، ونقل السلطة لابنه البدر، الذي سبق وأعلنه ولياً للعهد في مايو 1955م.
وتحت سلطة البدر، ازداد استياء الجيش لقلة الرواتب وتردّي أوضاعهم. ونشبت تمردات عسكرية في صنعاء وتعز. كما حدثت تمردات فلاحية كبيرة بسب قلة المحصول وزيادة ابتزاز الأموال.
وفي أغسطس 59م، عاد الإمام من إيطاليا وأقصى ابنه البدر، وعاقب المشتركين بأحداث صنعاء وتعز وملأ سجن حجة بالرجال. كما رفع الضرائب رغم الجدب، وأمر بجمع زكاة مضاعفة لحاجته للنقود بعد عودته من روما.
ضاعفت هذه الإجراءات معاناة الناس، لتعم الاضطرابات البلاد مجدداً. وقمعها الإمام بقسوة كالعادة، وملأ السجون بالمعتقلين، وأعدم كثير منهم.
وفي إبريل ١٩٦٠م اشتعلت اضطرابات قبائل بكيل وخولان، ورفض مشايخ هذه القبائل دعوة الإمام أحمد، للمباحثات في السخنة، وذكّروه بجريمته الغادرة بحق الشيخ الأحمر، فيما اعتبرت قبيلة حاشد سياسة الإمام شذوذًا عن المبادئ التقليدية لحكم أئمة الزيدية.
وتوسّع الاستياء ضد أسرة حميدالدين ليشمل "السادة جميعاً الذين اعتبرتهم القبائل دخلاء وغرباء عليها".
وظهرت في صنعاء وتعز والحديدة وذمار وغيرها كراريس الأحرار المتضمّنة انتقادا شديدا لسياسة الإمام، وتوتر الوضع بشدة عام ١٩٦١م، ووقفت كل طبقات وفئات الشعب ضد الأسرة الحاكمة.
وفي ٢٦ مارس ١٩٦١م نفذ ثلاثة ضباط في الحديدة وهم: العلفي واللقية والهندوان، محاولة لاغتيال الإمام أحمد، وألحقوا به إصابة مباشرة، اضطرّته للاعتماد على مساعدة البدر.
*الضباط الأحرار*
وفي خضم الحراك الثوري، وجدت تنظيمات سرية مناهضة لنظام الإمامة، وكان تنظيم "الضباط الأحرار" أكثرها قوة ونشاطاً. وقد تأسس رسمياً في ديسمبر 1961م في صنعاء وتعز والحديدة.
وأعد تنظيم الضباط خطة عملية لإسقاط حكم أسرة حميدالدين، وإقامة نظام جمهوري في البلاد.
وأقام التنظيم علاقة منتظمة مع منتسبي المدرسة العسكرية بصنعاء. وأنشأ صلات مع العناصر الوطنية في البلاد قبل شهرين من قيام ثورة 26 سبتمبر.
الملاحظ من خلال قراءة صفحات الكتاب، هو اهتمام الأحرار المبكر بالجانب الاعلامي والتوعوي، حيث أسسوا في العام 1938 مجلة الحكمة، وبعد إيقافها وانتقال الأحرار إلى عدن أصدروا صحيفة صوت اليمن، ومن القاهرة، عملوا على إذاعة برنامج منتظم عبر إذاعة صوت العرب.
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر