الرئيسية - تحقيقات وحوارات - "العنوسة" بشهادة جامعية.. فتيات إب بين خياري الزواج أو الدراسة!
"العنوسة" بشهادة جامعية.. فتيات إب بين خياري الزواج أو الدراسة!
الساعة 07:40 مساءاً (المنارة نت / خيوط)

تعاني المرأة في معظم المناطق اليمنية من نظرة المجتمع القاصرة كونها متعلمة أو جامعية ما يجعلها معرضة للتمييز والاضطهاد والحرمان من أبسط حقوقها في الحياة والعمل.

تتحمل كثير من الفتيات أعباء مضاعفة بسبب اصرارهن على مواصلة التعليم ونيل أبسط الحقوق، في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد محافظة، وانتهاكات وخطاب متشدد؛  تعمل جميعها على تقيد تعليم المرأة وعملها كما هو حال كثير من فتيات محافظة إب وسط اليمن، اللواتي يدفعن ثمناً مكلفًا كما يكشف هذا التحقيق بسبب تعليمهن والنظرة القاصرة تجاههن كفتيات جامعيات التي تعلي من شأن الذكور والهيمنة على الإناث. 

في زيارتنا لبعض المدارس في مدينة إب وجدنا - من واقع كشوفات العاملين في المدارس الأهلية عكس الفتيات غير المتعلمات أو اللاتي نلن قدراً بسيطاً من التعليم - أن واحدة من عشر متعلمات يشغلن منصب مديرة مدرسة فاتهن قطار الزواج.

حاولت "خيوط"، الاقتراب من هذه المشكلة ومعرفة أسباب عزوف الشباب المتعلم عن الزواج بفتاة متعلمة أو موظفة، إذ تقول هناء عبدالله -تربوية -، إن أخواتها اللاتي تركن المدرسة في وقت مبكر تزوجن جميعهن، فيما اختارت هي لنفسها التعليم والعنوسة في وقت واحد.

تضيف هناء أنها اختارت التعليم الجامعي برغبة شديدة منها، وأنها كانت أمام خيارين؛ إما مواصلة التعليم أو الزواج في وقت مبكر، مؤكدًة، أن الفتاة في اليمن مطلوب منها أن تدفع ضريبة مقابل ممارسة وانتزاع حقوقها الإنسانية والسبب عادات وتقاليد متخلفة ما تزال تسيطر على وعي المجتمع.

يأتي ذلك في الوقت الذي تزداد فيه أهمية الدور الذي تضطلع به النساء لإعالة أسرهن، فلم يعد الأمر هنا مقصور على المساهمة في التنمية الاقتصادية بقدر ارتباطه بضمان أدنى مستويات العيش الكريم للأسر الفقيرة التي يزداد عددها يومًا بعد يوم مع استمرار الحرب.

ويعاني اليمن من وضع إنساني وكارثي في غاية الصعوبة، إذ يحتاج أكثر من 76% من اليمنيين إلى مساعدات إنسانية بسبب الأزمة التي تعيشها اليمن الناتجة عن الحرب، والذي ينعكس بشكل كبير على وضع النساء والفتيات في البلاد، حيث تحتاج 4.6 مليون امرأة و5.5 مليون فتاة إلى مساعدة، إضافة إلى زيادة حدة عدم المساواة بين الجنسين، إذ تحتل اليمن المرتبة 155 ما قبل المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للعام 2021، مقارنة بـ115 في العام 2006، على الرغم من الجهود والبرامج الكثيفة الداعمة في هذا الجانب.
 
و أدت الحرب إلى تدهور وضع اليمن في التنمية البشرية، حيث تصنف اليمن ضمن الدول منخفضة التنمية البشرية، وتعتبر ضمن أدنى دول العالم، في المرتبة 179 من أصل 189 دولة على مستوى العالم في تقرير التنمية البشرية العالمي للعام 2020.

الرجل بطبيعته يحب التحكم بالمرأة وخاصة اليمني الذى لم يتعود على الاختلاط، فالبعض يبحث عن علاقات غرامية مع أخرى لكنه يرفض حين يكون ذلك مع أقارب له، فهو يعتبر غيره منحرفين أخلاقيًا ويتعامل معهم على هذا الأساس، ويعتدي على حريتهم وسُمعتهم وشرفهم ويعتبر نفسه وأسرته مثال للشرف والنزاهة والأخلاق.

الاختصاصي في علم الاجتماع هشام القاضي، لا يستطيع فهم طريقة تفكير البعض حاليًا تجاه المرأة والفتاة المتعلمة واستدعاء التقاليد والعادات المندثرة لتمييزها في أبسط حقوقها في التعليم والعمل والحياة والزواج، إذ ساهم ذلك في تنامي الانتهاكات تجاه المرأة والتي تستغل هذه العادات والتقاليد والنظرة المجتمعية القاصرة والخطاب الديني المتشدد تجاه النساء، لذا يجب أن يدرك الجميع أن المرأة تمثل صمام الأمان لاستقرار المجتمع وضمان التماسك الاجتماعي بين أفراده، وأي تدخل يوجه نحو النساء يعود أثره الإيجابي على المجتمع ككل. حيث تعتبر السياسات والتدخلات في مجال تمكين النساء اقتصاديًّا واجتماعيًا، ذات أهمية بالغة، وتترتب عليها آثار إيجابية على نطاق واسع يشمل جميع أفراد المجتمع. 

تخوّفٌ من المستقبل
 
هُدى وأماني طالبتان جامعيتان تدرسان في كلية الآداب بجامعة إب، تبديا تخوفاً واضحاً من المستقبل الذى يبشر بعزوبية مفتوحة على حد قولهما، وذلك مع تعدد الذرائع التي جعلت الشاب الجامعي يعزف عن الزواج بفتاة متعلمة منها: غلاء المهور، وتكاليف زواج المدينة، وانتقدتا ما وصفتاه بالهجمة الشرسة المتواصلة التي تتعرض لها فتاة الجامعة من قبل بعض أصحاب الأفكار الظلامية، التي توصمها بأبشع الصفات. 

وتعتبر أماني في حديثها لـ"خيوط"، أن المشكلةُ في الشاب وليست في الفتاة لأنه يريد فتاة تطيعه في الصح والخطأ، وهو واهم فعلاً أن الحياة ممكنة في ظل هذا المنطق، مشيرًة إلى أن "الحياة قائمة على المشاركة والتفاهم ويجب على الشاب أن يعرف أن الفتاة المتعلمة هي ضرورة بل وأفضل من غير المتعلمة؛ لأنها ستربي الأولاد بطريقة صحيحة، كما أنها قد تكون موظفة وتساعده على أعباء الحياة الصعبة.

كما أن هناك من يرى في عزوف الشباب عن الزواج بجامعية ناتج عن كون الشاب يفضل الزواج بفتاة صغيرة، لذلك يعتقد وفق حديث الطالبة الجامعية هيام محمد، أن الفتاة الجامعية التي تدرس معه هي بنفس عمره، وعندما ستتخرج ستكون في سن فوق العشرين وهو عُمْر لا يفضله للزواج، وهو ما يجعل البعض يفضل الزواج من المناطق الريفية لاعتقاده أن الفتاة الجامعية غالبًا على علاقة عاطفية بزميل لها أو بشخص آخر، في حين ترى شمس الخولاني، طالبة في جامعة إب، أن الرجل بشكل عام يمارس قهراً على المرأة، يرحبُ بالعمل مع زميلته ويرفض أن تعمل زوجته أو شقيقته، ويوافق أن تذهب شقيقته إلى الجامعة ويرفض الزواج بجامعية، وهذا أسطع أنواع التناقض في وعي المجتمع. 

غلاء المهور

تتعدد الآراء فيما يخص تفضيل الشاب للمرأة الريفية للزواج على حساب المرأة التي تعيش في المدن، وذلك مع بروز عوامل أخرى في الزواج لا تتعلق بالعادات والتقاليد والنظرة إلى المرأة المتعلمة والجامعية، بل لها ارتباطات أخرى اقتصادية بالنظر إلى غلاء المهور وتردي الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على فرص عمل. 

تقول مريم همدان  -طالبة جامعية- إن المغالاة في المهور وتكاليف الزواج الباهظة واحدة من أسباب كثيرة تجعل الشاب المتعلم يختار فتاة القرية التي قد لا تكون حاصلة على قدر كافِ من التعليم، بينما يرى يحيي الغيثي، موظف مدني، أن الشاب الجامعي الذى هو أساسًا قد يكون قادم من القرية يفضل الفتاة الريفية لأنها أكثر صبراً وأكثر تحملاً لأعباء الحياة اليومية.

من جانبه، يعتقد جابر العديني، الاختصاصي في الخدمة الاجتماعية، أن سببَ هروب الشاب الجامعي إلى القرية لاختيار شريكة حياته ناتج عن تصوره أن الفتاة الجامعية ستكون مشغولةً عن زوجها ومسؤوليتها الأسرية، إضافة إلى التكاليف المالية الباهظة التي يتطلبها الزواج بفتاة جامعية وموظفة بعكس الفتاة والمرأة الريفية، وكذا في نفقات تكوين وإدارة شؤون الأسرة معها، كما لا يخفى على الجميع الوضع المعيشي المتردي للكثير من اليمنيين بفعل الحرب في البلاد التي جعلت الزواج أمرًا ثانويًا عند البعض بالنظر إلى تكاليفه ومطالبه الواسعة.

الزوج والشهادة 

هناك من يرى أن الزوج يفضّل أن يكون مستواه التعليمي أعلى من الزوجة، كما أنه يرفض الجامعية لأن متطلباتها كثيرة، ويغار من خروجها للعمل واحتكاكها بالرجال.

وترفض طالبات جامعيات مساومتهن في تعليمهن كما تقول الطالبة مها أحمد "مستحيل أترك الشهادة أو العمل من أجل الزواج"، فالشهادة في نظرها هي الضمانُ للفتاة في عالم اليوم، وتعتبر التعليم مهمُّ جداً للفتيات والنساء بشكل عام. 

وتشبه مها من توقف تعليمها لتتزوج كمن تلقي بنفسها في البحر، مشددًة على أن الرجل غير مضمون والشهادة هي المستقبل.

أما هويدا قاسم -آداب لغة عربية جامعة إب- فتقول: "إن الرجل بطبيعته يحب التحكم بالمرأة وخاصة الذي لم يتعود على الاختلاط، فهو يبحث عن علاقة غرامية مع أخرى ، وهو امر يرفضه إن كان في اطار أقارب له، فهو يعتبر غيره منحرفين أخلاقيًا ويتعامل معهم على هذا الأساس. 

كثير من اليمنيات اثبتن حضورهن المميز في التعليم وكفاءتهن في ميادين العمل، وفق حديث أمة الله ثابت، -موظفة - "اليوم الفتيات يتفوقن على الشباب كثيراً في جميع المراحل التعليمية، والشاب لا يحب الارتباط بالفتاة صاحبة الشخصية القوية، ولو تقدم لي شخصٌ ما وطلب مني ترك الجامعة من أجل الزواج سأرفضه فوراً". 

غيرة الشباب! 

بدوره، يرى الطالب الجامعي نورالدين بدر، أن هناك شباب يُعانون من الغيرة لأنهم لم يتمكنوا من استكمال تعليمهم ويرون الفتاة تسابقهم في العلم والعمل والتفوق، مضيفًا أن هناك رجال متعلمون وأنصاف متعلمين يتصورون أن المرأة عندما تتعلم ستتخلى عن حاجتها للرجل وقد تتمرد عليه ومن ثم يصبحُ دورُه هامشياً في حياة زوجته، في حين أن الرجلَ دائماً يحبُ أن يكونَ محورَ اهتمام زوجته وأن يشعر برجولته معها في كل شيء، ثم يبحثون عن الزواج من فتاة صغيرة لم تستكمل تعليمها بعد حتى يسيطروا. 

ويقول ناشطون حقوقيون أن هناك ممارساتٍ عديدة تبين توجهًا خطيرًا لتقويض تواجد النساء في الحياة العامة، وإنهاء كل المكاسب التي كافحت من أجلها على مدار سنوات، مؤكدين أن النساء لسن بحاجة إلى حُرَّاس فضيلة، ولا إلى مزيد من القيود، وإنما بحاجة إلى احترام حقوقهن وحرياتهن الشخصية ومُساءلة كل من ينتهك تلك الحقوق. 

وتشير منظمات حقوقية إلى توسع الممارسات التي تقوّض، وبشكل جسيم، حقوقَ وحريات النساء والفتيات وتعريضهن للخطر، كما هو حاصل من خلال تقييد إلى حد كبير، سفرَ النساء بدون مَحْرَم، واصدار أكثر من تعميم يفرض رؤية نمطية لكيفية اللباس “الموافق للشريعة الإسلامية” للنساء، إضافة إلى القيام بمنع الاختلاط في أبحاث وحفلات تخرج عدد من الجامعات وصولًا إلى منع الاختلاط في قاعات الدراسة بجامعة صنعاء، ومنعت وطردت النساء من العمل، إضافة إلى ما يقوم به بعض رجال الدين من حملات تطال المرأة وتعرضها لخطر الانتهاكات.

هل بدأت الظاهرة بالانحسار؟

تشير أحدث التقديرات الصادرة في العام 2021، عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أن أكثر من مليوني فتاة وفتى في سن الدراسة خارج المدرسة، منهم حوالي 47 % من الفتيات، إذ يبرز سبب آخر غير العادات والتقاليد في الدفع بالفتيات للتعليم منذ المراحل الأساسية وليس فقط الجامعية والمتمثل بالأمن المالي المتدهور داخل الأسرة في ظل فقدان الكثير في اليمن خلال السنوات الماضية لسبل عيشهم المتاحة، لكن هناك ثقافة لاتزال سائدة تعطي الأولوية للأولاد والذكور للالتحاق بالتعليم على حساب الفتيات. 

ويعتبر حرمان الفتيات من الالتحاق بالتعليم، أو تمييزهن وحرمانهن من فرصهن في الحياة سواءً في العمل أو الزواج وغيره، من القضايا الأكثر إثارة للقلق في ظل ضعف اتخاذ تدابير عاجلة في هذا الصدد حيث تنذر هذه النسب والأرقام بالصعوبات التي تعترض سبيل الجهود الرامية إلى توفير تعليم شامل للجميع وتقليص الفجوة بين الجنسين، إذ يصل التحيز ضد المرأة في التعليم إلى 45.3 % في مؤشر المعايير الاجتماعية بين الجنسين، وفق تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان الصادر العام 2022.

تؤكد الباحثة الاجتماعية هديل ماجد، على ضرورة احترام المجتمع للمرأة المتعلمة، ودورها في الحياة العامة على كافة المستويات. 

وتعتقد ماجد أن هذه الظاهرة ربما بدأت تنحسر بصورة نسبية بسبب العامل الاقتصادي ولم يعد لها وجود بنفس الحجم مثلما كان عليه الحال قبل عشر سنوات فمعظمُ الزوجات اليوم جامعيات بل على العكس هناك شبابٌ متزوجون من فتيات لم يكملن تعليمهن نراهم يشجعون زوجاتهم على اكمال التعليم.

ويرجع ذلك لارتفاع نسبة الوعي في أوساط الشباب واعتقاد بعضهم أن المتعلمة والموظفة قد تساعد في مواجهة ظروف الحياة المعيشية الصعبة، إضافة إلى وجود شباب لا يفكرون بالارتباط بفتاة جامعية بسبب أن الجامعية تتساوى معه في السن والثقافة المجتمعية السائدة. 

يختلف معها أستاذ علم النفس بجامعة إب احمد المجيدي، والذي يعدد أسباب عزوف الشباب عن الزواج من الفتاة الجامعية أهمها العاداتُ والتقاليدُ التي تشجع الزواج من صغار السن، وبالتالي فإن الجامعية أصبح سنها كبيراً فلا تكون مناسبة للزواج، والاختلاط مع الرجال وهذا بسبب دافع الغيرة، حيث ينظرُ إلى الفتاة الجامعية بانها فتاة تحب الاختلاط وتتكلم مع الشباب بالمحيط الجامعي، وبالتالي فان الاقترابَ منها أصبح نقطة خطر، حيث ينظر اليها على انها احتكت مع الرجال. 

وتظل اختيارات الشباب الجامعي لزوجة المستقبل مسألة جدلية مرتبطة بعدة عوامل ودوافع ذاتية، لكن ما يمكن استخلاصه من مجمل الآراء المطروحة أن الصورة الذهنية المغلوطة حول الطالبة الجامعية ظالمة وتسبب الكثير من الأذى النفسي والاجتماعي لطالبات الجامعة، بل وتحدث مشكلة اجتماعية واضحة الملامح ولها تداعياتها غير المحمودة، وقد آن الأوان ليتخلص المجتمع بكل فئاته عن تلك الانطباعات الظالمة عن الطالبة الجامعية.

تحقيق/ عفان الصفواني

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر