- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
تتضمن المواد التي نشرت على الإنترنت صوراً لوثائق تحمل عنوان "سري" أو "سري للغاية" (أ ف ب).
أبدى المسؤولون الأميركيون انزعاجاً شديداً من تسريب وثائق دفاعية سرية ربما يصل عددها إلى 100 وتتعلق بخطط الحرب في أوكرانيا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيما تجري وزارتي العدل والدفاع "البنتاغون" تحقيقات لمعرفة هوية من سرب الوثائق ونشرها على مواقع التواصل، تخشى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسريب مزيد من الوثائق التي قد تكون قمة جبل الجليد، بخاصة أنها تشمل مناطق أخرى مثل الصين والشرق الأوسط.
كابوس مزعج
بعد يوم واحد من تأكيد مسؤولين بارزين في إدارة بايدن أنهم يحققون في تسريب محتمل لخطط سرية حول الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك تقييم مقلق حول قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية المتعثرة، ظهرت على مواقع التواصل أمس الجمعة مجموعة جديدة من الوثائق السرية التي يبدو أنها تشمل تفاصيل أكثر عن أسرار الأمن القومي الأميركي، ليس فقط في أوكرانيا، وإنما أيضاً في الشرق الأوسط والصين ومنطقة المحيطين الهادئ والهندي، مما أثار قلق "البنتاغون" وزاد من ارتباك إدارة بايدن التي فوجئت بالأمر وبحجم التسريب الذي قال مسؤولون ومحللون إنه ربما يصل إلى أكثر من 100 وثيقة، بعضها يتضمن معلومات حساسة وسرية للغاية، مما يشكل ضرراً كبيراً للأمن القومي الأميركي وربما لحلفاء الولايات المتحدة.
وعلى رغم بدء وزارة العدل تحقيقاً في التسريبات إلى جانب الجهود التي تقوم بها وزارة الدفاع للكشف عن هوية من سرب الوثائق، فإن مسؤولاً استخباراتياً كبيراً قال لصحيفة "نيويورك تايمز" التي كانت أول من نشر هذه الأنباء أول من أمس الخميس إن التسريب يمثل كابوساً للعيون الخمس، في إشارة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، وهي ما تسمى "دول العيون الخمس" التي تشارك المعلومات الاستخباراتية في ما بينها على نطاق واسع منذ عقود، بل إن إحدى الوثائق المؤرخة في الـ23 من فبراير (شباط) تحمل عنوان "سري ولا يجب مشاركتها مع دول أجنبية"، لكنها ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي مع وثائق أخرى.
قمة جبل الجليد
وفي حين يخشى محللون أن يكون ما ظهر حتى الآن مجرد قمة جبل الجليد من الوثائق، أقر مسؤولون في عدد من وكالات الأمن القومي بإمكانية أن يكون هناك تسريب منتظم وتدريجي للمعلومات السرية المنشورة على المواقع.
وقال المسؤول السابق في "البنتاغون" ميك مولروي إن تسريب الوثائق السرية يمثل خرقاً كبيراً للأمن ربما يعوق التخطيط العسكري الأوكراني نظراً إلى أن وثائق عدة كانت صوراً، سربها شخص ما بشكل متعمد بهدف الإضرار بجهود أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
كما نشأت مخاوف جديدة حول ما إذا كانت تلك المعلومات المسربة هي المعلومات الاستخباراتية الوحيدة التي تم تسريبها، ففي وقت كان المسؤولون في "البنتاغون" ووكالات الأمن القومي يحققون في مصدر الوثائق التي نشرت على "تويتر" و"تيليغرام"، ظهرت وثيقة أخرى مجهولة الهوية على منصة الرسائل "4 تشان" تتضمن خريطة تهدف إلى إظهار حال الحرب في مدينة باخموت شرق أوكرانيا التي كانت مسرحاً لمعركة شرسة استمرت أشهراً عدة وتضمنت حرب مدفعية شرسة وطاحنة خلفت آلاف القتلى.
ويبدو أن الوثائق المسربة تتجاوز المواد السرية للغاية المتعلقة بخطط الحرب في أوكرانيا، بحيث يشير المحللون الأمنيون الذين راجعوا الوثائق التي نشرت على مواقع التواصل إلى أن مجموعة أخرى من الوثائق المنشورة تتضمن مواد حساسة عن الصين والمسرح العسكري في المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط وعمليات مكافحة الإرهاب.
وتتضمن المواد التي نشرت على الإنترنت صوراً لوثائق تحمل عنوان "سري" أو "سري للغاية"، وبدأت تظهر على "ديسكورد" في مارس (آذار)، وهو تطبيق دردشة شائع لدى لاعبي الفيديو، قبل أن تبدأ بالانتشار على منصة "4 تشان" للرسائل عبر الإنترنت الأربعاء الماضي، ثم شقت طريقها إلى منصتي وسائط اجتماعية في الأقل هما "تيليغرام" و"تويتر".
ما الذي تتضمنه الوثائق؟
تظهر الوثائق الخاصة بالجيش الأوكراني كصور لرسوم بيانية حول عمليات تسليم أسلحة متوقع وعدد القوات والكتائب وخطط أخرى توضح بالتفصيل القدرات القتالية لأوكرانيا ونقاط الضعف المحتملة وجهود حلف "الناتو" الواسعة للمساعدة في صد الهجوم الروسي.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" التي اطلعت على عشرات الصور التي تظهر وثائق سرية يعود تاريخها لأواخر فبراير وأوائل مارس الماضيين، إنها تشمل ملخصات وإحاطات استخباراتية في جميع أنحاء العالم وتحديثات حول التطورات الميدانية على المستوى التكتيكي وتقييمات للقدرات الدفاعية لأوكرانيا، كما تحدد معلومات حول الجيوش الأوكرانية والروسية وتتضمن تحليلات أميركية شديدة الحساسية حول الصين ودول أخرى، وتشير المواد المنشورة أيضاً إلى مصادر وأساليب سرية للغاية تستخدمها الولايات المتحدة لجمع مثل هذه المعلومات، مما يثير قلق مسؤولي الأمن القومي الأميركيين الذين اطلعوا عليها.
وعلى سبيل المثال تشير إحدى الوثائق الحساسة إلى المعدل الذي تستنزف به ذخائر مدافع "الهاوتزر" التي يوفرها "الناتو" من قذائف 155 ملم التي يطلقونها، كما تصف تدفقات الشحنات الواردة والتوقعات في حال إعاقة هذه الشحنات. وقال أحد الحسابات على "تيليغرام" إن الوثائق المنشورة وصفت خطة سرية لإعداد وتجهيز تسعة ألوية من القوات المسلحة الأوكرانية من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لهجوم الربيع.
وفي حين أن الوثائق لا تحتوي على خطط قتالية محددة، فإنها تعد مفيدة بشكل لا يصدق لـ"الكرملين" بحسب وصف رئيس مركز أبحاث "سيلفرادو بوليسي أكسيليرايتر" ديمتري ألبيروفيتش، ذلك أن الوثائق تحتوي على ترتيب لمعلومات المعركة وتفاصيل حول الوحدات التي ستشارك في الهجوم المضاد المقبل وطاقمها ومعداتها ومستويات تدريبها، مما يجعلها معلومات مفيدة للغاية لتحضير دفاعات روسيا.
كما تتعلق الوثائق المنبثقة على ما يبدو من تقارير ووكالات متعددة، بمسائل أخرى غير أوكرانيا، فهناك صفحتان على سبيل المثال تتضمنان معلومات من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حول الأحداث المتعلقة بروسيا والمجر وإيران.
من سرب المعلومات؟
فيما تسعى وزارتا العدل والدفاع إلى الكشف عن هوية من سرب المعلومات والوثائق ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الرسائل، قال مسؤول دفاعي أميركي لصحيفة "واشنطن بوست" بشرط عدم الكشف عن هويته، إن وثائق عدة يبدو أنه تم إعدادها خلال فصل الشتاء وتقديمها إلى الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة وغيره من كبار المسؤولين العسكريين، لكنها كانت متاحة أيضاً لعدد من أفراد الخدمة الأميركيين والموظفين المتعاقدين مع "البنتاغون" الذين يحملون تصاريح أمنية مناسبة، بالتالي يمكن أن يكون مصدر التسريب أي شخص.
وتقول المحامية السابقة في سلاح الجو والمتخصصة في القانون العسكري ريتشل فان لاندينغهام إن أي شخص يمكن أن يكون مسؤولاً عن التسريب، على رغم أن هذه الانتهاكات تشكل واحدة من أخطر الجرائم التي تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة، وتفيد "واشنطن بوست" بأن جميع صور المستندات التي حصلت عليها جاءت من المصدر نفسه وتمت طباعة كل صفحة قبل تصويرها بالطريقة نفسها.
غير أن المستشار العام السابق في وكالة الأمن القومي غلين غيرستيل أوضح أنه لا تجوز طباعة المستندات السرية إلا من أجهزة الكمبيوتر في منشأة آمنة وتسجل كل معاملة إلكترونياً، ولهذا فإن الوثائق التي طبعت يجب أن تضيق بشكل كبير دائرة المشتبه فيهم خلال التحقيق الأولي، ومع ذلك فإن طباعة الوثائق لا تعني أن الشخص الذي طبعها كان مسؤولاً عن التسريب، فربما احتفظ بها في مكان آمن وتمكن جاسوس آخر أو شخص غير مصرح له من الوصول إلى الوثائق والتقط صورة لها أو ربما تركت بإهمال في مكان ما.
وبينما يشير متخصصون إلى أنه من الصعب استخلاص استنتاجات حول من سرب المعلومات ولماذا، قال أحد المسؤولين الأميركيين إن من المحتمل أن الوثائق لم تتسرب من مسؤولين أوكرانيين لأنهم لم يتمكنوا من الاطلاع على الخطط المحددة التي تصدرها مكاتب هيئة الأركان المشتركة في "البنتاغون".
ويشير محققون إلى أن موظفي الحكومة الأميركية والمتعاقدين معها يواجهون فترات سجن طويلة لسوء تعاملهم مع المعلومات السرية، وفي إحدى القضايا البارزة عام 2018 أقر بالذنب شخص يدعى رياليتي وينر، وهو من قدامى المحاربين في القوات الجوية ومقاول لوكالة الأمن القومي، في جناية واحدة تتعلق بنقل غير مصرح به لمعلومات الدفاع الوطني، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات وثلاثة أشهر لأنه شارك وسيلة إعلامية تقريراً سرياً حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016.
معلومات أصلية أم مضللة؟
يقر المسؤولون الأميركيون بأن عدداً من الوثائق المسربة كانت أصلية وليست مزورة، كما تتسق مع تقارير مراجعة وكالة الاستخبارات المركزية لدول العالم التي تم توزيعها على مستويات عالية داخل البيت الأبيض و"البنتاغون" ووزارة الخارجية، ومع ذلك فقد تم التلاعب في المعلومات حول الضحايا الذين سقطوا خلال المعارك القتالية من الروس والأوكرانيين في وثيقتين في الأقل.
ووفقاً لشبكة "سي بي أس نيوز"، تقول إحدى الوثائق إن هناك ما بين 16000 و17500 روسي قتلوا في المعارك، لكن مسؤولي الدفاع الأميركيين صرحوا علناً بأن روسيا خسرت أكثر من 200000 ضحية، مما يثير الشكوك حول التلاعب في الوثائق لمصلحة موسكو.
وبينما يعرب مسؤول أوكراني كبير عن اعتقاده بأن التسريب بدا وكأنه حيلة روسية لتشويه الهجوم المضاد الأوكراني المتوقع في الربيع، حذر المدونون الروس من الوثوق بأي من المعلومات التي قال أحد المدونين إنها ربما تكون من عمل استخبارات غربية لتضليل القيادة الروسية في "الكرملين".
ويوضح رئيس الأبحاث في شركة "لوجيكالي" البريطانية التي تتعقب المعلومات المضللة كايل والتر أن عدداً من الأصوات البارزة على قنوات "تيليغرام" الروسية كانت تصف الصورة الأصلية التي لم تتغير وتظهر أعداد الضحايا الروس والأوكرانيين بأنها عملية تأثير غربي وأنها محاولة لإضعاف الروح المعنوية في روسيا وبين القوات الروسية.
في المقابل يشير جوناثان تيوبنر، الرئيس التنفيذي لشركة "فيلتر لابس" للذكاء الاصطناعي التي تتعقب الرسائل في روسيا، إلى أنه بينما كانت الأصوات المؤيدة لـ"الكرملين" تقول إن التسريب كان حملة تضليل أميركية أو أوكرانية، اعتقد محللون بأنه يمكن أن يكون عملية روسية تهدف إلى زرع عدم الثقة بين واشنطن وكييف، لكن "غراي زوون"، وهي قناة دردشة ورسائل تستخدمها مجموعة المرتزقة "فاغنر" الروسية، ترجح احتمال أن تكون الوثائق معلومات مضللة صدرت عن الاستخبارات الغربية من أجل تضليل القيادة الروسية لدى تحديد استراتيجية العدو في الهجوم المضاد المقبل.
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر