الرئيسية - ثقافة - "طفل الخور الباكي"
"طفل الخور الباكي"
الساعة 02:30 مساءاً (المكلا / المنارة نت / ناصر بامندود )
بينما أنا أمشي بين إحدى جنبات " الخور " بمدينة المكلا ، عائداً إلى المنزل بعد أن جلست رفقة أحد الأصدقاء إذ بي ألمح طفلاً يبكي ، أقتربت منه أكثر فوجدته يذرف الدموع بحرقة حتى أحمرت عينيه، و وصلت دمعاته أسفل وجهه!  

أوجعتني هيئته هذه كثيراً، وجعلتني أشفق عليه حتى قبل أن أعرف ما خطبه ، فوجهه يحكي ألماً كبيراً، ووجعاً لا يحتمل، كان كل همي أن أعرف ما به علني أجد حلاً يوقف نزيف عينيه .  

وعرفت من وجهه إنه من " نازحي حرض " ، فسألته لماذا تبكي؟ ما بك لا عليك أخبرني ؟  

أجابني سريعاً بصوت باكي : « أضعت " الألف ريال " الذي أعطني إياه أحد المارين ، وأبي شاهده وهو يعطيني ، و ريثما ما أعود إلى البيت سيقول لي أعطني الألف وكل ماجمعت الليلة، فأبي قاسي، و شرس، لن يرحمني ، ولن يعذرني ، ولن يسامحني، سيظل يضربني حتى ينهي غضبه، و أنا أبحث عنه منذ نصف ساعة ، ولم أجده لذلك أنا خائف جدا ًمن عودتي إلى البيت ».  

فقلت له : « هون على نفسك ، و أمسح دمع عينك ، أنت رجل لا تبكِ سنجد حلً إن شاء الله ».  

 وسألته هل بحثت عنه جيدا ً؟ وهل أباك قريب من هنا لأذهب فأكلمه ؟  

 أجابني: نعم ، بحثت عنه جيدا ًولم أجده ، و أبي بعيد من هنا.. لحظتها كم تمنيت أن يكون هذا الألف متوفراً لدي، فحينها لم أكن أمتلك في جيبي إلا ربع هذا المبلغ ! وماذا عساني أن أفعل له؟ فمنظره يكسر حتى تلك القلوب القاسية، الفظة، الغليظة .  

فأخذت أبحث معه عن الألف علني أعثر عليه، فأنقذ الطفل من هذا الموقف الصعب، وأرحمه من قساوة ذلك الأب الجشع !  

 ومشيت أبحث والطفل ينظر إليّ وعيناه تقول : « ليته يجده ، ليته ينقذني من ورطتي »، وبعد دقائق من البحث وعندما لم أعثر عليه أدركت أنه لاجدوى من ذلك ، سألت الطفل:  هل لك من أقارب يعرفون أباك ليكلمه أحدهم فيغفر لك ؟  

 أجابني : نعم لكن ليسوا بالقرب من هنا .  

فصرت أقنعه بالعودة إلى المنزل، و قلبي يتألم لفعلي هذا ، لم يكن لدي من حل سواه ، فربما قد يحكي هذا الطفل قصته لأحد أولئك ذوي القلوب القذرة ، والأنفس المريضة فيقوم هذا النجس بعرض إعطاءه الألف مقابل مبتغاه القذر، وواصلت إقناعه حتى وصلت كلماتي إلى عقله فوافق على الرجوع إلى بيته ، ثم دعوت له بأن يقيه الله شر ذلك الأب الجشع ، و مضينا ليعود كلاً منا إلى بيته .  

عدت إلى البيت و أنا أفكر في الطفل هل عاد إلى البيت ؟ و ماذا صنع معه أباه ؟ وكيف تعامل معه عندما أخبره ؟ و أتخيل الأب وهو يضربه ويعنفه ليلتها عكر مزاجي، و شتت فكري، فأنتظرت اليوم التالي لأعاود المكان الذي وجدته فيه البارحة، حتى أطمئن عليه هل هو بخير ؟ ماذا صنع معه أبوه ؟ وهل عاد إلى البيت من الأساس ! لم أجده سرت بالقرب من المكان علني ألمحه، وعله يناديني، لكنني لم أجده، ولم يجدني.  

فأصبحت أسأل نفسي الأسئلة المتراكمة في قلبي ، وعقلي مذ رأيته يتقطع بكاً ، ما هو دورنا مع الأطفال النازحيين ؟ و هل نتركهم للتسول هكذا ؟  

 أين حقوقهم في التعليم مثل أقرانهم؟ و أين الدور الحقيقي للسلطات والمنظمات في حمايتهم وتعليمهم؟  

 هؤلاء الصغار ما هم إلا ضحايا من دفع بهم للتسول، وليس لهم من ذنب سوى ماحدث للبلاد!  

ثم سألت نفسي عن ذلك الأب الغليظ ألم يصل إليه ، و إن وصل إليه ألم يتأمل قول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام : « لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ».  

 ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم على ثلاث أحدهن : « لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ».  

 بدلاً له من أن يتاجر هذا الجشع البخيل بأبنائه ، المساكين الصغار!  

 فمال التسول مهما كثر فهو لا يأت إلا بالفقر بتأكيد الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه.  

 وأصبحت أتساءل ما هي حكاية الأطفال المتسولين ؟ والمتسولون بشكل ًعام فقد كثر الحديث عنهم، من وراءهم أم أنهم أتوا بطريقة عفوية ، من أجل المال فقط؟ أو سدا ًللحاجة لا أكثر، لكن كم يجنون حتى يسكنوا الفنادق! هل هم ضحايا النزاعات ، وضحايا الفقر و فقد الأوطان؟ أم إنه ثمة من يقف يحركهم، أو إنها طريقة سريعة لكسب المال، أم هم عزز قوماً ذلوا!.  

* قصة واقعية حدثت معي مؤخراً 
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر