الرئيسية - تقارير وإستطلاعات - قصص مرعبة .. الليل أكثر ما يخشاه أطفال غزة خلال أيام الحرب
قصص مرعبة .. الليل أكثر ما يخشاه أطفال غزة خلال أيام الحرب
الساعة 08:06 صباحاً (المنارة نت)

ما إن يسدل الليل ستاره، حتى يستبد الخوف بهبة الجملة (33 عاما) -أم لخمسة أطفال- ويحمل الظلام في غزة -خلال العدوان الإسرائيلي- بين طيّاته إما "موتا محتملا" وإما "تجرعا متوقعا لألم الفقد". ويتفق أهالي غزة على أن "الليل" هو أكثر ما يخشونه خلال الحرب، نظرا لما يحمله من مخاوف، وما يهدد به من أضرار وإصابات جراء القصف تولد الرعب وتضاعفه.

تقول الجملة -التي كانت تقطن في حي الدرج بمدينة غزة قبل أن تنزح لحي آخر- إن غروب الشمس يصيبها بحالة من القلق والاكتئاب، والتي تزداد رويدا رويدا مع حلول الظلام لتصل إلى حد الهلع.

وتبيّن للجزيرة نت أن "الليل هو خوف شديد ورعب وانتظار الأجل، لا أحد يمتلك اليقين أنه سيبقى حيا حتى طلوع الشمس، نتخيل أن الإسعاف والدفاع المدني سوف يبحثون عنّا بين الأنقاض، نخشى على أطفالنا، ولا نملك سوى الدعاء لله بأن يحفظنا".

وتضيف الأم -الثلاثينية- أن إسرائيل تتعمد تركيز عدوانها خلال فترة الليل، حيث تتصاعد أصوات الانفجارات والطيران المرعبة، وتهتز المنازل ويرتفع الصراخ وبكاء الأطفال، مشيرة إلى أن الأهالي يتجمعون في غرفة أو غرفتين أو أكثر حسب عددهم، في الطابق الأرضي، كي يشعروا ببعض الطمأنينة في انتظار رحيل هذا الضيف المخيف.

وتؤكد المتحدثة ذاتها أنها كثيرا ما شعرت -خلال الأيام الماضية- بأن الموت قريب جدا منها، ولم تتوقع أن تعيش حتى شروق الشمس. وبشأن أكثر ما يخيفها، تقول "الصوت المرعب للطيران، واهتزاز المنازل بسبب الغارات والضربات المتواصلة، وعدم معرفة الأخبار وانقطاع الكهرباء".

وتسرد الجملة ما وصفته بأسوأ ذكرياتها خلال فترة الليل، وكان في بداية الحرب، حيث تعرض مكان مجاور لمنزلها للقصف، وتكسر جميع زجاج شقتها، وتناثرت الحجارة، مما دفع الأسرة للهرب من المنزل، مضيفة "تشرّدنا وتشرد أطفالنا في منتصف الليل".

تخيّل سيناريوهات مرعبة

من جهتها، تحمل رهف عزيز، ذكريات قاسية جدا مع فترة الليل، موضحة أنها كانت تقيم في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، قبل أن تنزح مع عائلتها إلى مدينة خان يونس (جنوب).

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت رهف عزيز "مع انقطاع التيار الكهربائي، بات الليل أكثر رعبا"، مضيفة أن أكثر من يخيفها هو "توقّع سقوط الصواريخ على المنزل، وتخيّل صعوبة الخروج من تحت الركام في حال البقاء على قيد الحياة، وفقدان العائلة أو الأصدقاء".

وتتابع "الليل يكاد يخلو من كل شيء ما عدا أصوات القصف وسيارات الإسعاف، وأصوات الطائرات الحربية والاستطلاعية التي تصدر صوتا ينذر بوقوع مجزرة بشعة".

وتذكر رهف كيف تقضي وقتها بالليل في متابعة الأخبار والاطمئنان على العائلة والأصدقاء. وكثيرا ما شعرت أن الموت قريب جدا، جراء الغارات الإسرائيلية.

وتسرد رهف عزيز إحدى ذكرياتها مع القصف، حيث تقول إن الطائرات استهدفت منزل جيرانها في مخيم جباليا، دون إنذار مسبق وهو ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الشهداء، بالإضافة إلى تعرض منزلها للدمار الجزئي وسقوط الزجاج بالقرب من والدتها.

بدوره يتفق محمد هنية مع جملة وعزيز، في أن أصعب ما يعانيه أهالي غزة خلال هذه الحرب هو فترة الليل، ويقول إن "الليل هو خوف شديد، وألم ومعاناة شديدة، قلق وانتظار وخوف من القصف والفقدان، يتجمع فيه الأهل للاطمئنان على بعضهم بعضا"

وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع هنية "ألف مرة، شعرت أن الموت قريب جدا، فإسرائيل تقصف المنازل فوق رؤوس أصحابها، الليل هو صراخ وتشرّد، واهتزاز البيت وتكسيره، وانتظار طلوع الشمس على أحر من الجمر"

النساء وملابس الصلاة

وتحرص فريال عبدو، المقيمة بحي الرمال بمدينة غزة، على النوم بملابس الصلاة خوفا من حدوث قصف إسرائيلي، مضيفة "جميع نساء غزة، لا يخلعن ملابس الصلاة خوفا من تعرض منازلهن للقصف لا سمح الله".

وفي حديثها للجزيرة نت، أوضحت عبدو أنها تقضي فترة الليل في سماع الأخبار عبر الإذاعات المتوفرة عبر الهواتف، والاستغفار وقراءة القرآن حتى طلوع النهار، مشيرة إلى أن أكثر من يصيبها بالقلق هو خوفها على الأهل والأقارب والأصدقاء، بالإضافة إلى الغارات وأصوات الطيارات والقنابل المضيئة.

وتذكر مشهدا لا تنساه، حدث في إحدى ليالي الحرب، حينما علا صريخ الجيران في منتصف الليل لتحذير السكان والطلب منهم إخلاء المنطقة بأكملها بعد ورود تحذيرات من جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتختم حديثها قائلة "لا تهدأ نفوسنا إلا مع بزوغ الفجر، وحينها نقول: الحمد لله، نحن ما زلنا على قيد الحياة".

سياسة إسرائيلية مقصودة

في هذا السياق، يتهم استشاري الصحة النفسية في وزارة الصحة بغزة الدكتور محمد أبو شاويش، الاحتلال الإسرائيلي، بتعمّد إثارة حالة من الرعب في نفوس كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، خلال فترة الليل.

وقال أبو شاويش -للجزيرة نت- إن ما يفعله جيش الاحتلال خلال فترة الليل بغزة "ليس بمحض الصدفة، ولا يدع مجالا للشك أنه أمر مقصود"، مضيفا "العدو يعلم أن الليل في ظل انقطاع الكهرباء يكون أصعب، وهو يحاول بقدر الإمكان إدخال حالة من الرعب في نفوس الشعب، وإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية وقتل عائلات بأكملها".

ويتابع أبو شاويش أن فترة الليل مرتبطة ذهنيا بعقول السكان وخاصة فئة الأطفال (من خلال الحروب السابقة) بزيادة وتيرة العدوان والمجازر، والظلام يمثل رمزية مخيفة بالنسبة للأطفال، وتجربة صعبة، خصوصا إذا ارتبطت بالمجازر المروعة الحالية.

وأشار الاستشاري النفسي إلى أن ما تمارسه إسرائيل حاليا خلال فترة الليل "يترك صورة ذهنية صعبة في نفوس الأطفال، ويتركهم في حالة تحفّز، ويترك عليهم آثارا جسدية مثل المغص ووجع الساقين والصداع وعدم القدرة على النوم، والتبول اللا إرادي، والالتصاق بالوالدين"، مؤكدا أن "كل الجروح الجسدية تشفى مع الوقت، لكنّ الندبات النفسية التي تحدث في نفوس الناس تحتاج إلى وقت طويل للتعافي".

أمراض ما بعد الصدمة

ولفت محمد أبو شاويش إلى أن معظم سكان غزة يعيشون حاليا ما يعرف في الصحة النفسية بـ"اضطراب الكرب الحاد"، وهو ردّ فعل طبيعي لظرف غير طبيعي تظهر فيه أعراض كثيرة من الخوف والهلع والصداع والتوتر، والرجفة وآلام المعدة وغيرها.

وتوقع الاستشاري ذاته أن الغزيين سيدخلون بعد مرور شهر كامل على انتهاء هذه المحنة، في اضطراب آخر يسمى "كرب ما بعد الصدمة"، مضيفا أنه "اضطراب صعب جدا، ويحتاج إلى وقت طويل للشفاء". وحذر من حالة التشوه الذي أصابت البُنى المعرفية في أذهان الأطفال؛ بسبب العدوان الوحشي الإسرائيلي.

وقال أبو شاويش إن "الأطفال يعتقدون أن الوجود مع الآباء آمن، وأن المنزل آمن وكذلك المستشفى والمدرسة والمسجد، وهذه مفاهيم تم تشويها في نفوس الأطفال، وستحتاج إلى فترات طويلة للتعافي منها وترميمها، وهذا سيمتد لأجيال، وليس فقط لهذا الجيل".

وتابع المتحدث ذاته "رغم أن الفلسطينيين بغزة، يمتلكون كثيرا من مقومات الصمود، لكن هذا الحدث غير عادي وغير مسبوق وحجم الدمار والدماء والقتل فاق كل التوقعات والتصورات، ومن ثم ليس من السهل إزالة هذه التصورات من عقول الأطفال خصوصا".

المصدر : الجزيرة

اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً