- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- باب التكهنات حول إخلائهم من السودان مفتوح لكنه أيضاً محدود بتفسيرات قليلة أغلبها يؤكد أن المأساة فتحت على مصراعيها.
- أمينة خيري
عناوين الأيام الأولى من الحرب في السودان لم تلفت كثيراً اهتمام العالم، فقد اقتصر الأمر على "اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع" و"غارات جوية شنها الجيش" و"إغلاق مداخل ومخارج القصر الرئاسي في الخرطوم" و"إطلاق نار في مقر التلفزيون" و"وقوع عشرات القتلى ومئات المصابين من المدنيين" و"استدعاء الأطباء وهجمات على المستشفيات" و"الاتفاق على هدنة وخرقها وتجدد القتال" و"ارتفاع في أعداد القتلى والمصابين بين المدنيين" و"أنباء عن شح المواد الغذائية وأزمة في مياه الشرب وانقطاع الإنترنت"، وفقط.
طيلة الأسبوع الأول من اندلاع الحرب والأخبار على رغم فداحتها إما غائبة عن الصفحات الأولى أو عن اهتمام سكان العالم.
وفجأة أصبحت مجريات الأمور في السودان تتصدر العناوين وتهيمن على اهتمام القاصي من دول الأرض والداني من سكانها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
وسبب التصدر لم يكن الانزعاج لتواتر الأحداث وتفاقم المجريات، أو تزايد أعداد القتلى والمصابين، أو ضرب البنى التحتية الطبية، أو معاناة السودانيين والمقيمين للعثور على طعام، وسير بعضهم أميالاً لشرب الماء.
تغير دفة العناوين
التغير الفجائي والاهتمام المباغت جاء نتيجة تغير دفة العناوين من اشتباكات بين المتحاربين، ووقوع قتلى ومصابين وشح غذاء وماء ودواء إلى "البيت الأبيض يناشد الأميركيين مغادرة السودان في غضون 48 ساعة" و"عمليات إخلاء بريطانية فوضوية" و"الاتحاد الأوروبي يضع خطة مشتركة لإجلاء الرعايا الأوروبيين من السودان" و"الصين ترسل سفناً حربية لإجلاء رعاياها" و"كندا تخطط لإرسال 200 جندي لإجلاء مواطنيها"، وهو الإجلاء الذي تصاعد من "خطط" إلى "تحركات" ومنها إلى "تسارع" وأخيراً "مهلة 24 أو 48 ساعة أمام الرعايا للحاق بآخر طائرة أو باص أو سفينة".
إنها الخطوة المثيرة للفزع، والتحرك المؤجج للرعب. إنها العبارة التي يخشاها كل ذي خبرة في حرب أو صاحب تجربة في صراع. "إجلاء الرعايا الأجانب" تعني ببساطة أن القادم أسوأ. إجلاء الرعايا الأجانب - لا سيما حين تتواتر قرارات الإجلاء والإخلاء من قبل قوى العالم العظمى وليست الصغرى أو المتوسطة - لا يعني إلا أن العنف الذي يلوح في الأفق أكثر فداحة من الآن، وأن طاولة المفاوضات قد دكت، أو تقرر عدم الاحتكام إليها من الأصل.
الأصل في الحروب
الأصل في الحروب، كما يخبرنا عالم الاجتماع الألماني الأميركي هانز سبيير (1905-1990)، هو سلب "العدو" القدرة على الرد أو التحرك، وذلك لحرمانه من المقاومة والسيطرة عليه أو على ما يملك أو إسكات صوته أو إجهاض طموحه وأطماعه عبر استخدام القوة. أما الأهداف، فالمعلن منها دائماً منطقي ومبرر، وغير المعلن - وربما الحقيقي - يكون منزوع المنطق وخالياً غالباً من الأكواد الأخلاقية.
يصنف سبيير الحروب إلى ثلاث فئات، فقد تكون مطلقة هدفها الإبادة وفيها تستخدم كل أدوات العنف من دون هوادة. وقد تكون ذرائعية أو ذات جدوى اقتصادية وفيها يكون قتل العدو مفيداً اقتصادياً للطرف القاتل وموفراً للموارد. والنوع الأخير هي الحرب الساعية (في الأقل في العلن) إلى المجد والعدالة عن طريق النصر، لذلك يجري دائماً وصف مجرياتها وأحداثها بنعوت العزة والكرامة والسمو والوطنية.
وطنية السودانيين الموجودين (أو المحبوسين أو المحتجزين) في السودان، سواء لأنهم يرفضون مغادرة بلدهم، أو لقلة حيلتهم وعدم توافر وسائل أو موارد تمكنهم من المغادرة، ليست محل نقاش أو جدال أو خلاف، لكن ما هو مطروح للسجال حالياً هو مغادرة الأجانب المسماة بالإخلاء والإجلاء.
جحا أولى بلحم ثوره
إجلاء الأجانب من قبل دولهم "الكبرى" يعني أن "جحا أولى بلحم ثوره"، وأن المواطنين أولى بجحيم قواتهم المتحاربة، سواء كانت حرباً مطلقة أو ذرائعية أو تهدف إلى تحقيق المجد والعدالة. هؤلاء المدنيون هم من يقفون مكتوفي الأيدي والأرجل والقدرات والموارد وآمال النجاة وأحلام البقاء على قيد الحياة وهم يتابعون رعايا الدول الأجنبية وقد هرولوا حاملين ما خف وزنه وثقلت قيمته وجوازات سفرهم الأجنبية ممتثلين لأوامر أو مناشدات أو قرارات دولهم من أجل الإجلاء.
إجلاء الرعايا الأجانب لا يعني إلا القدرة على رؤية ملك الموت يقترب من الباب.
باب التكهنات حول الإجلاء مفتوح، لكنه في الوقت نفسه محدود، حيث التفسيرات قليلة وأغلبها في حكم المؤكد. وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي قال في حوار تلفزيوني قبل ساعات إن المجتمع الدولي وقف بلا حراك أمام تصاعد أحداث الأزمة السودانية، مشيراً إلى أن الهدنات التي سعت إليها دول غربية كانت بغرض إجلاء الرعايا، وليس لحقن الدماء والصراع.
إراقة الدماء بدأت منذ الأيام الأولى لاندلاع الأحداث، لكنها ظلت طي التحمل القبيح وفي حيز غض الطرف اللعين الدوليين. وملامح الصراع ومعالم الاشتباك منذ الوهلة الأولى لا تخطئها عين منذ لحظات التفجر الأولى، كذلك تضاؤل ملامح وأمارات نهاية الوضع المأسوي أو حتى تهدئته أيقنها الجميع، لكن لم يلتفت إليها أحد حتى إشهار قرارات الإجلاء.
الحاجة إلى الجلاء
الحاجة إلى الجلاء أصبحت ماسة بالنسبة إلى الأجانب المقيمين في اليوم السابع من اندلاع الصراع، لا سيما أن الجانب الأكبر من عمليات القصف - ويقال القنص - دارت في الأحياء الراقية التي يسكنها الأجانب. اشتعال القتال وخرق الهدنات وفوضى المشهد قطعت شك الحاجة إلى المغادرة بيقين الخطورة.
أخطر ما في مشهد الحرب - أي حرب - تلك النظرات الزائغة الغاضبة الحالمة في عيون المواطنين وهم يتابعون إجلاء وإخلاء الأجانب الذين أقاموا معهم أسابيع وشهوراً وسنوات للعمل، وامتزجت تفاصيل حياتهم اليومية بتفاصيل حياة أهل البلد، لكن وقت الخطر الداهم "أنا ومن بعدي الطوفان".
طوفان عمليات الإجلاء دارت رحاه بكثير من التخطيط وقليل من فوضى فرضتها فداحة الأحداث في السودان. وشأنها شأن بقية عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من قبل دولهم في أوقات الحرب والصراع، يتم تحديد - من دون إشهار - أيام معدودة لها تتكثف فيها عمليات النقل والتحميل والمغادرة وسط تأمين محكم وتدبير وثيق، ثم تترك أرض المعركة خالية على عروشها، أو على وجه الدقة مرتعاً لكل المتحاربين وسجناً للمدنيين من المواطنين.
الجسور الجوية الغربية، والسفن الحربية الصينية، وحتى الحافلات السودانية التي تم استئجارها من قبل بعض أبناء الجنسيات العربية إضافة إلى بضعة آلاف من السودانيين تقلهم إلى الحدود، تمثل علامات مرعبة وأمارات مخيفة ونذير شؤم مما لا يدع مجالاً للشك لمن بقوا في الداخل.
تقلص طاولة المفاوضات
تقلص طاولة المفاوضات في الداخل، داخل أية دولة يقرر متحاربون ومتصارعون أن يحولوها إلى أرض صراع وقتال وخراب، يتم النظر إلى "الإجلاء" أولاً وأخيراً باعتباره ختم وفاة ضمن أشياء أخرى.
الإجلاء يعني أن فئة من البشر تركت لتواجه مصيراً محتوماً، بينما فئة أخرى تم التسابق على إنقاذها. وهو ما يعني أن نظرة مسبقة أو قراءة محكمة وربما مخططاً مدروساً بعناية يصب في خانة إطالة أمد الصراع وتقلص جهود أو محاولات أو أمنيات طاولة المفاوضات، ويعني أن من يحظى بقيمة لدى دولته ويمثل معنى لدى حكومته ويعني ما هو أكثر من مجرد رقم في التعداد يجري إخلاؤه ويتم إجلاؤه وبشكل متسارع حيث الدقيقة لها ثمن.
"ماذا تعني المسارعة بعمليات الإجلاء؟"
سؤال طرحه الكاتب الصحافي عماد الدين حسين في مقال عنوانه "مغزى إجلاء الرعايا الأجانب من السودان". ويجيب حسين عن السؤال بأربع إجابات محتملة. الأولى هي أن هناك تقديرات دولية بأن الصراع مهدد بالاتساع والتردي. وقد يكون دافع دولة ما لإجلاء رعاياها هنا إما الخوف عليهم أو على سلامتهم. والثاني أن يكون التقدير هو انعدام الأمل في توقف قريب للحرب أو حتى احترام واستمرار هدنة إنسانية حقيقية تتيح التقاط الأنفاس. أما المعنى الثالث فهو أن الدولة الأجنبية التي تجلي رعاياها قد وصلت إلى يقين بأن الأمور خرجت عن السيطرة، وأن الأمن صار مفقوداً، بالتالي فإن مجرد الحفاظ على الحياة صار هو الأولوية. والرابع أن بعض هذه الدول تريد أن تخرج الرعايا تمهيداً للانخراط في الحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة لمساعدة أحد الطرفين، بالتالي يكون هناك خوف من تحول رعاياها إلى رهائن في يد هذا الطرف أو ذاك.
ولا يستبعد حسين هذا "المعنى" الأخير لا سيما في ظل وجود عديد من الحدود المفتوحة وغير المؤمنة مع "الجيران"، مشيراً إلى أن "بعض هؤلاء الجيران وخصوصاً إثيوبيا تريد أن يتفتت السودان وتتشابه أوضاعه مع الحال الإثيوبية التي شهدت قبل عامين حرباً إثنية بين عرقية "التيغراي" والجيش الحكومي المشكل أساساً من عرقيتي "الأورومو" و"الأمهرا"، وانخرطت فيها إريتريا لدعم نظام آبي أحمد".
المعاني الأربعة المحتملة ربما تشرح لكنها لا تهدئ من روع من هم في الداخل، بل تفاقمه وتؤكد لهم بحجة الإجلاء وبرهان المسارعة من أجل الإخلاء أن الأسوأ لم يأت بعد.
الأسوأ في التاريخ
الأسوأ الذي يتبع الإجلاء موثق في كتب التاريخ، وكذا في مشاهدات الأمس القريب. مشهد جناحي وعجلات الطائرة الأميركية، التي كانت توشك أن تقلع من مطار كابول في الجلاء الأميركي الفجائي والمباغت من أفغانستان صيف عام 2021، يقول كثيراً عن معنى الإجلاء. الشباب الأفغاني الذي استشعر الخراب وأيقن بأن أفغانستان جرى تسليمها مجدداً إلى "طالبان" مع تواتر خطوات إجلاء القوات الأميركية من بلادهم في أغسطس (آب) من هذا العام دفعهم إلى رفع شعار "يا روح ما بعدك روح". والتعلق بعجلات طائرة أو التشبث بجناحيها بينما تستعد للإقلاع لا يعني إلا موتاً محققاً.
الموت المعنوي المتمثل في حكم غير مرغوب فيه، أو الفعلي المتجسد عبر تخلص أنظمة سياسية من أشخاص لا ترغب في وجودهم، أو العيش تحت تهديد مستمر أو في ظلال صراع أو اقتتال لا يتوقف، أو في ظل أجواء أبعد ما تكون عن الآدمية أو تكتفي ببديهيات الأكل والشرب وقضاء الحاجة مثل الحيوانات تدفع بعض مواطني الدول التي تقع في قبضة متحاربين إلى محاولة اللحاق بالرعايا الأجانب الذين يتم إجلاؤهم.
إراقة أفدح للدماء
إجلاء الأجانب يعني ملك الموت أو أعوانه. الجملة التي وردت في تقرير لـ"رويترز" تلخص ما يدور في خلد ملايين السودانيين في الداخل. "بينما تتدافع الحكومات الأجنبية لإجلاء رعاياها من السودان. يقول أولئك الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه إنهم يشعرون بالتخلي، ويخشون أن يعني نزوح الأجانب إراقة أفدح للدماء".
إراقة دماء السودانيين - وقبلهم وبعدهم ومعهم دماء المواطنين المدنيين الواقعين في قبضة حرب أهلية أو صراع داخلي مسلح - مسألة أشبه بالأمر الواقع عقب إتمام عمليات الإجلاء. الغريب أن التصريحات الصادرة من مسؤولين كثر في الدول التي كثفت جهودها على مدى الأيام القليلة الماضية لإجلاء رعاياها لم يجدوا حرجاً في الربط بين "المطالبة بوقف موقت لإطلاق النار" و"إجلاء رعاياهم بسلام".
آخر من يغادر
الإشارة - ولو من باب المجاملة أو الدبلوماسية أو حفظ ماء الوجه الأخلاقي - إلى ضرورة الحلول السلمية أو التسوية السياسية أو الاحتكام إلى الطاولة تقلصت على ما يبدو أمام ضغط طوارئ الإجلاء الآني. ولعل تصريحات الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل إلىشاهدة على ذلك، وهو الذي قال إن سفير الاتحاد الأوروبي ما زال موجوداً في السودان، وإن كان قد ترك العاصمة، مذيلاً ذلك بقول بليغ لكنه مثير لمزيد من القلق "القبطان آخر من يغادر السفينة".
والقبطان هو آخر من يغادر السفينة، وذلك قبل غرقها مباشرة. لا يمكن لوم الدول على جهودها لإنقاذ رعاياها، أو مطالبتها بإنقاذ مواطني الدول الأخرى أو مواطني الدولة التي تشهد الحرب، شأنهم شأن مواطنيها، حيث يسود مبدأ "ما يحتاج إليه البيت يحرم على الجامع"، لكن يمكن استخلاص المعنى والأثر بدءاً باتخاذ قرار إجلاء الأجانب، مروراً بالخطوات، وانتهاء بنهاية العملية وترك الحرب للمتحاربين والمواطنين لمصائرهم.
مصائر الأجانب في الدولة
مسرح الصراع يجري حسمها عبر التأمين بالإجلاء، وهو تأمين معروف الخطوات مدروس الآثار. وبحسب تقرير نشره موقع "بي بي سي" بالإنجليزية، فإن المرحلة الأولى هي التخطيط والإعداد للإجلاء على خلفية من التدريب المستمر لقوات هذه الدول لتكون جاهزة للقيام بمهمتها وقت الحاجة. وفي وقت الحاجة يجب أن يعي الجميع أن اللجوء إلى العسكريين لإجلاء المدنيين من دولة فيها حرب خطر كبير، لذلك فإن الإجلاء يكون الملاذ الأخير. وفي عمليات الإجلاء، كتلك التي يشهدها السودان، وقبله عديد من الدول التي شهدت اقتتالات أهلية وصراعات مسلحة، يحب أن تتم العمليات بعد استشارة الدول الصديقة التي تسعى إلى إجلاء رعاياها كذلك.
وعلى رغم الاستشارة والتخطيط، فإن عنصر المفاجأة في التنفيذ يمثل مكوناً بالغ الأهمية. يشير تقرير "بي بي سي" إلى أن خطط الإجلاء يجب أن تظل طي الكتمان لتجنب أي أذى قد يلحق بالرعايا أو بالقوات من قبل الأطراف المتحاربة، لا سيما أنه يسهل في هذه الحالات استهداف قوافل الرعايا بينما يتم نقلهم من قبل أحد الأطراف بغرض إلصاق التهمة بالطرف الآخر. تدخل القوات المنوط بها إتمام عملية الإجلاء الدولة وتخرج بسرعة قبل أن يتنبه المتحاربون أو المتربصون.
وعادة تتمركز القوات التي ستنفذ مهمة الإجلاء في دولة قريبة من الدولة محل الصراع قبل بدء العملية الخاطفة بأيام وفي سرية تامة. في تلك الأثناء، تكون التعليمات قد صدرت للرعايا بالتوجه إلى نقاط معينة يتجمعون فيها حيث يتم نقلهم بحافلة أو سفينة أو طائرة.
المشهد العبرة
تعلق مواطنين أفغان بأجنحة وعجلات آخر طائرة أميركية أقلت قواتها ومواطنيها من أفغانستان سيظل المشهد العبرة، وفي أقوال أخرى السبة، وفي ثالثة المتكرر، إن لم يكن فعلياً فمعنوياً، في كل مرة يشتعل القتال في دولة ما وتهرع الدول لإنقاذ وإجلاء رعاياها.
رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس أشار إلى "مخاوف الإجلاء" وذلك من مدينة بورتسودان حيث تم إجلاؤه بالقول "نقلنا أو إجلاؤنا لا يعني أن الأمم المتحدة تتخلى عن السودان".
المبعوث الأممي يكاد يكون الوحيد الذي تحدث صراحة عما يجول في نفوس الملايين من السودانيين وغيرهم من متابعي الصراع في السودان من معرفة يقينية بأن الإجلاء نذير شؤم في حكم اليقين.
التقارير الواردة من السودان وشهادات السودانيين المعلقين على قرب إتمام وإنهاء عمليات إجلاء الأجانب تتحدث عن ذعر يتمكن ورعب يتمدد. الكلمات تختلف لكن المعنى واحد.
الإجلاء يعكس أولوية المصالح لدى الدول الكبرى. الإجلاء يعني إفساح الطريق أمام ممارسات غير أخلاقية من قبل طرفي النزاع على حساب المدنيين. الإجلاء يعني تعاظم احتمالات استخدام المدنيين كدروع بشرية في حرب لا يعلم أحد مآلها أو عمرها الافتراضي. عمر الحروب الافتراضية لا تحدده عمليات إجلاء الأجانب.
الإجلاء يعجل بالاحتدام أو ربما يفتح بابه من دون حرج المساءلة الدولية أو خوف المحاسبة القانونية أو ادعاء احترام المواثيق والمعاهدات وحقوق المدنيين... إلخ، لذلك فإن الأصوات الصادرة عن تنفس الصعداء في الدول التي أتمت إجلاء رعاياها تنعكس كتماً للأنفاس وترقباً للأسوأ في دولة المنشأ، منشأ الحرب.
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر