- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
استباح الأئمة، دماء وأموال السواد الأعظم من ابناء الشعب اليمني، طيلة فترات حكمهم في اليمن، واعتبروا ذلك جهاد في سبيل الله!.
وأطلقت الإمامة وجحافلها، اسم "سعيد اليهودي" على الثائر والعالم الفقيه سعيد بن صالح بن ياسين العنسي المعروف بالهتار أو صاحب الدنوة أو المذحجي، وهو فقيه صوفي وسياسي وقائد ثورة يمني.
فتاوى الثأر والغنائم!
واستحضر «القاسميون» فتاوى آباءهم واجدادهم، ودعوا داعي للجهاد، فجاءت القبائل طلباً للثأر، وطمعاً في الغنائم، وتولىَّ مُسعري الحرب مهمة الإقناع، وجعلوا للفقيه الثائر اسماً آخر: «سعيد اليهودي»، اتهموه بالسحر والشعوذة، وبأنه أدعى أنَّه «المهدي المنتظر»، ليأتي وصف «صاحب الحوليات»، مُتماهياً وذلك التشنيع، وصف الثورة بـ «الفتنة»، والفقيه بـ «الشيطان»، وبأنَّه «أكبر أهل الطغيان, شق للمسلمين العصا، وتبع هواه وعصى»، وزاد على ذلك: «وقد صارت جميع البلاد من جند الباغي اللئيم، والطاغي سعيد».
وسكن الثائر الفقيه سعيد، في قرية الدنوة التابعة لمحافظة إب، وذاع أمره بين الناس بالتقوى، والصلاح، فقصده كثير من أشتات الناس، وصار محلاًّ لأهل الدين ، اعتكف أربعين سنة على الدراسة، والعبادة؛ حتى كثر تابعوه.
يقول الإمام القاسم: «إن أصل دينهم من بقية أولاد المجوس، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حقناً لدمائهم ودينهم، قاتلهم الله ولعنهم، فإذا خافوا على نفوسهم خلطوا تلك الملاهي بالتهليل ومولد النبي، فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم، لأنهم كفار مُشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر، لأن المشركين كانوا يقرون بالله، ويجعلون له شركاء وهي الأصنام، وهؤلاء لم يجعلوا إلههم إلا الحسان من النساء والمردان، ولا يعرفون لهم رباً غير ذلك قاتلهم الله، فمن أجارهم فهو كافر، ومن أحسن إليهم فهو كافر، ومن عمل ذلك، فقد أعان على هدم الإسلام، ومن أعان على هدم الإسلام فهو كافر».
غزوات القتل والنهب
عاودت القبائل الشمالية غزوات القتل والنهب، المـُـذلة للإنسان، في عهد «المـُـؤيد» محمد بن القاسم، وأخوه «المـُـتوكل» إسماعيل الذي عزز فتوى أبيه بفتوى أخرى تستبيح دماء وأموال اليمنيين، وأيضاً في عهد «المنصور» حسين بن القاسم، وولده «المهدي» عباس، ومن أتى بعدهم من أئمة، ليتجسد بذلك التطبيق الفعلي لجميع الفتاوى السابقة.
بعض تلك الغزوات الجنونية كانت تحدث بتوجيه ورضا من الأئمة أنفسهم، وقد سجل المؤرخون قيام بعض الأئمة بتوزيع قطاعات كبيرة من أراضي «اليمن الأسفل» الخصبة لكبراء تلك القبائل الموالية لهم، وقد نشر الشيخ سنان أبو لحوم في مذكراته صورة لوثيقة قديمة تؤكد ملكية أسرته لجبل «وراف»، سبق وأن أعطي لأحد أجداده من قبل «المهدي» عبدالله بن «المـُـتوكل» أحمد.
إنقلاب السحر على الساحر
في القرن الثالث عشر الهجري انقلب السحر على الساحر، واكتوى الأئمة «القاسميون» بسعير تلك القبائل، حاصروا عاصمتهم صنعاء أكثر من مرة، وناصروا أمراء طامحين، حتى استنفذوا ما بأيديهم من أموال، قتلوا، ونهبوا، ومارسوا جميع الموبقات؛ بل إن غالبيتهم بشهادة العلامة محمد علي الشوكاني، كانوا يستحلون دماء المسلمين وأموالهم، ولا يحترمونها، ولا يتورعون عن شيء منها.
وتفرد «صاحب الحوليات»، بنقل تفاصيل الاجتياح الكبير لمناطق اليمن الأسفل «1238هـ / 1823م».
وقال أنَّ «المهدي» عبد الله لم يكن راضياً عن ذلك، وأشار إلى أن تلك القبائل كانت قد تألفت أراضي إب الخصبة في غزوات لها سابقة، وألمح أنَّهم باستيطانهم الأخير استقلوا بتلك المناطق عن «الدولة القاسمية»، وكانت تحت أيديهم أشبه بالدولة المستقلة.
كان لسيطرة القبائل الموالية للأئمة، على أجزاء واسعة من «اليمن الأسفل» خلال تلك الفترة أثره البالغ في تفشي حوادث النهب والسلب، وقطع الطرق، فانتشر الخوف، وبُث الرعب، وبلغت القلوب الحناجر، لتتشكل وسط تلك الظروف العصيبة حركة تحررية صوفية بقيادة الفقيه الثائر سعيد بن صالح بن ياسين المذحجي، الذي أعلن نفسه إماماً للشرع، وابتدأ ثورته بإخراج تلك القبائل من أراضي إب وحصونها، وامتدت سلطاته لتشمل جميع مناطق «اليمن الأسفل».
بداية بروز شخصية الفقيه سعيد
ترجع البدايات الأولى لبروز شخصية الفقيه سعيد إلى العام «1239هـ / 1824م»، كان حينها في بلد «شار»، مُنكباً في صوفيته، مُعتكفاً في زاويته، مُتبتلاً في محرابه، زاهداً عن ملذات الحياة، يُحيي موالد الذكر، ويستقبل المريدين والأتباع، يُصلح بين الرعية قدر المستطاع، يتألم بصمت لحالهم، يراقب انتفاشة جلاديهم، ويهيئ النفوس لرفض الظلم، واستعادة الحق المسلوب.
وفي المقابل، كانت «الدولة القاسمية» تعيش أسوأ مراحلها، توفي آخر أئمتها الأقوياء «المهدي» عبدالله بن «المـُـتوكل» أحمد «1251هـ / 1835م»، حل النزاع والشقاق داخل الأسرة الحاكمة، تمكّنت قوات محمد علي باشا من اجتياح اليمن، لم يدم بقاءها طويلاً، انسحبت بداية العام «1256هـ /1840م»، ليبقى «اليمن الأسفل» ساحة فيد لمشايخ الإقطاع، وأتباعهم.
ضاق الرعية أصحاب الأرض الأصليين ذرعاً، فجروها ثورة، تولى الفقيه سعيد قيادتها، أعلن نفسه إماماً لـ «الشرع المـُطهر»، جعل من «الدنوة» - الواقعة بين «حبيش، ونَعمَان»، غربي مدينة إب - مقراً له، نصب الولاة والقضاة، وخطب باسمه على المنابر، وضرب بلقبه العملة الفضية، والتي كانت الـ «40» قطعة منها تساوي ريـال فرنصي.
في أول جمعة من رجب «5 رجب 1256هـ / 2 سبتمبر(أيلول) 1840م»، وقف الفقيه سعيد في جامع الجند بين أنصاره خطيباً، دعا سكان «اليمن الأسفل» إلى نصرته، سانده أغلبهم، وتمكَّن خلال شهر واحد من استعادة حوالي «360» حصناً، سبق لــ «جحافل الفيد» أن تمركزت فيها، أخذ جميع ما بها، وأمر أصحابه بالتحصن فيها.
امتداد سلطات الثائر الفقيه
المؤرخ العرشي قال عن الفقيه الثائر: «رجل ملك الوقف، فأرجف به الناس، وأنزل المحمديين وغيرهم من حصونهم، وقذف في قلوبهم الرعب، وتابعه كثير من العوام».
ثورته ضد ذي محمد
انتقل إلى اليمن الأسفل في بداية القرن التاسع عشر الميلادي عدد من قبائل ذي محمد من بكيل وأفسدوا فيه فضجت الناس من فسادهم ، فأعلن الفقيه سعيد ثورة ضدهم واجتمع عليه الناس في اليمن الأسفل وحاربهم حتى هزمهم وطردهم من الحصون المرتفعة التي كانوا يتحصنون بها فهرب جزء منهم وسجن الآخر وكان ممن سجن النقيب حسين بن سعيد أبوحليقة و النقيب علي بن علي بن سهل الهيال.
واستطاع الثائر الفقيه سعيد، أن يحكم سيطرته على بقاع اليمن الأسفل بتمامه وامتد سلطانه من مدينة زبيد غربًا، إلى يافع شرقًا، وشمل منطقتي تعز، وإب، وجعل من حصن (الدنوة)، ملاذًا آمنًا له، ومنطلقًا لعسكره.
حكم الفقيه سعيد
أعلن نفسه إمام الشرع المطهر، فعين الولاة على ما تحت يديه من البلاد، وضرب نقد الفضة باسمه، وخُطب له على المنابر ، وسيرت إليه النذور والزكوات من كل أرجاء اليمن الأسفل من نقيل صيد (سمارة) شمالا حتى عدن جنوبا .
بعد استقرار حكمه في اليمن الأسفل لسنوات، طمح الفقيه بمد نفوذه في اليمن الأعلى ، وقد شجعه على هذا وقوف بعض رؤساء بلاد يريم وما حولها مع دعوته أمثال حسين يحيى عباد صاحب مخلاف ذي رعين وعبدالله بن مثنى فاضل صاحب مخلاف العود والنادرة، فتوجه إلى يريم سنة 1256 هـ ومد نفوذه إليها.
معاركه مع الإمامة
خرج الإمام الهادي محمد بن المتوكل من صنعاء لمحاربة الثائر الفقيه سعيد ، في شهر شعبان من نفس العام ، صام رمضان في مدينة ذمار ثم نزل إلى يريم وكاتب الفقيه سعيد.
جمع الفقيه سعيد جيشه الكبير من أبناء اليمن الأسفل ومن سانده من قبائل يريم وعمار ومعهم قبائل من ذي محمد ممن كان قد سجن رؤساءهم إبان بداية ثورته وذلك بعد أن عفى عنهم وضمهم لجيشه، فحاصروا الإمام الهادي في مدينة يريم في شوال وضيقوا عليه الحصار وضاقت على الإمام الحال.
انقلب النقيب حسين بن سعيد أبو حليقة وسانده النقيب علي بن علي بن سهل الهيال، على الفقيه سعيد واستطاعوا أسر مقادمة جيش الفقيه وأعلموا الإمام الهادي وطلبوا منه سرعة الهجوم.
وهجم الإمام الهادي وجيشه، على الثائر الفقيه سعيد وجيش ، الذي كان حائرا ومشتتا بعد أسر مقادمته وانهزموا رغم كثرة عددهم.
بعد دوران الدائرة على جيش الفقيه، وصل الإمام الهادي مدد من قبائل خولان ونهم والحدا وهمدان وحاول الفقيه سعيد تجميع جيشه من جديد عند نقيل سمارة والتصدي لجيش الإمام الهادي فحدثت في سمارة معركة دامية كانت نتيجتها بداية نهاية ثورة الفقيه وتقهقرها واستمر الهادي في ملاحقة جيش الفقيه حتى اليمن الأسفل.
أجل «القاسميون» بعد اغتيال إمامهم «الناصر» عبدالله بن الحسن خلافاتهم، نصبوا محمد بن «المـُـتوكل» أحمد إماماً، بعد أن أخرجوه من السجن، تلقب بـ «المـُـتوكل» تيمناً بأبيه، ثم غيره بعد ثلاثة أشهر إلى «الهادي»، تيمنا بجده الإمام يحيى بن الحسين، المؤسس الأول لـ «دولة الإمامة» في اليمن، وتزامناً مع عزمه على التوجه جنوباً لمحاربة الفقيه الثائر «شعبان 1256هـ / أكتوبر 1840م».
استشهاده
وصل جيش الإمام الهادي محمد بن المتوكل قرية الدنوة مقر الثائر الفقيه وأسره فيها ومن ثم انتقل الهادي الى مدينة إب وأمر بالإتيان بالفقيه إليها وعند وصوله أمر بقتله وصلبه في أواخر العام 1256 هـ.
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر